ليست مجرد سبر للنوايا، فزيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق وحتى ولو كانت توقفا لساعات دفعت البعض إلى البحث في مساحة العلاقة بين البلدين، وربما إلى وضع حملة من الفرضيات حول مستقبل هذا "التحالف" وسط انفتاح أمريكي وغربي على العاصمتين، فحتى ولو ظهرت دمشق كمجال أوسع للحديث عن مسألة "الانفتاح" إلا أن إيران أيضا ليست بعيدة عنه، رغم الحملة "الإسرائيلية" أوروبيا وأمريكيا ضدها.
بالطبع هناك زمن جديد تتغير فيه تعريفات العداء والتحالف، وربما يعيد صياغة أشكال التعاون ليس فقط بين دمشق وطهران، بل أيضا مع السياسات الدولية التي تبدو قلقة من احتمالات ظهور توترات غير محسوبة نتيجة افتقاد الشرق الأوسط لمعايير التوازن المألوفة، وربما يبدو متداخلا مع استراتيجيات بدأت تفقد ثقلها العام نتيجة عجزها عن غحداث تحول نوعي داخله، ويمكن ملاحظة ثلاث امور أساسية في نوعية العلاقات القائمة:
الهدوء في العلاقات الإقليمية لم يظهر نتيجة البحث عن حلول للأزمات، وما يحدث في العراق ربما يقدم صورة واضحة لترك الأزمة تتطور داخليا، وأما ما يحدث في فلسطين فهو أيضا شكلا آخر من "تعويم" القوى الموجودة فيها، دون التأثير عليها دوليا على الأقل، وعلى ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية تريد ترك العلاقات الإقليمية كي تفرز نفسها قبل البدء بحوارات أكثر جدية.
تبدو الخلافات المستمرة عائمة على نوعية الأدوار الإقليمية التي لم "تقرر" بعد، فإدارة أوباما لم تحسم طريقة الدخول الجديد إلى المنطقة، وذلك باستثناء إعادة قنوات الحوار الذي يعتبر الشرط الأساسي لرسم أي إستراتيجية قادمة، وهو ما يدفع لإعادة النظر في ما سمي "المحاور" التي ظهرت خلال السنوات الماضية، فبالنسبة لأي دولة هناك وظائف جديدة لعلاقاتها بما فيها إيران وسورية اللتان تواجهان اليوم إمكانية التعامل مع بيئة سياسية مختلفة تماما عن السابق.
العلاقات العربية - العربية تبدو مربكة نتيجة الوضع داخل "إسرائيل"، فهذه الخلافات نشأت على قاعدة التباين تجاه الاحتلال الإسرائيلي من جهة والدور الإيراني من جهة أخرى، واليوم فإن النقطتين السابقتين تدخلان في مساحة جديدة مع غمكانية التعامل مع الدور الإيراني من جديد، ومع "نوعية" سياسة الاحتلال بعد وصول نتنياهو إلى رسائس وزارة العدو.
سورية وإيران هما داخل بيئة سياسية تنقل من مكان إلى آخر، وهو ما يدفع إلى الحديث عن التكهنات، لكن الواضح أن الدولتين تبحثان من جديد في الاحتمالات القادمة، أو على الأقل في التحركات الدولية التي تظهر سريعا رغم عدم تحقيق نتائج حقيقية، فالمسألة في النهاية هي تحديد البيئة السياسية التي يتحرك فيها المحور "القديم" وليست إعادة اعتبار له أو رسم الصفقات القادمة.