السؤال سيبقى فيما سيتركه الرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وراءه خلال زيارته إلى دمشق، فإذا كانت التحليلات تتحدث عن مسألة دور سورية في مسألة المصالحة، أو حتى قدرتها في التأثير على حماس، فإن هذا الهامش يبدو ضيقا جدا على الأخص عند الحديث عن "التسوية" بالرؤية التي تظهر الآن عبر تسريبات قادمة من واشنطن، ورغم أن ظهور علاقات "جديدة" بين دمشق والسلطة أمر مستبعد، لكن توقيت وجود عباس ربما سيفتح أسئلة إضافية حول طبيعة المواقع التي ستتخذها أطراف الصراع من جديد.

وعباس من جهة أخرى يعرف درجة التعقيد التي تحكم العلاقة السورية - الفلسطينية، وهو أمر ليس موجودا في مثيلتها المصرية تاريخيا على الأقل، فالقاهرة كانت تفضل دائما التعامل مع الطرف الرسمي، وحتى أنها تفضل العمل مع "الجهد الدبلوماسي" منذ ستينيات القرن الماضي، بينما كانت سورية مساحة للجهد الميداني، ففصائل الثورة الفلسطينية عموما لم تبدأ عملها الحقيقي والكبير من مصر، ودمشق كانت مضطرة دائما للتعامل مع التيارات على مختلف أنواعها حتى ولو كان نشاطها خارج سورية، وفي لبنان تحديدا، ويبدو أن هذه الوضع مازال موجودا فالمخيمات الفلسطينية في سورية مختلفة نوعيا عن أي تواجد فلسطيني في مصر، وحساسية هذا الوضع ربما دفعت العلاقات مع منظمة التحرير باتجاهات تأخذ بعين الاعتبار الطيف الفلسطيني الواسع.

عمليا فإن عباس يدرك أن "الشرعية الدولية" التي تقف معه في كل تحركاته تختلف عن "الواقع" الفلسطيني، وحتى مع الخلافات الداخلية في فتح نفسها، وهو سيترك وراءه كل ظلال الشرعية الدولية و "الرباعية الدولية" لأنه سيتعامل مع تعقيدات الوضع الفلسطيني دون تأثير لـ"مناطق" السلطة أو علاقاتها مع "الطرف الإسرائيلي"، فهناك اليوم محاولة لكسر السيناريو القديم على الخص عندما يبدأ الحديث بـ"لعبة" التسويات على طريقة نتنياهو...

هناك تخوف واضح من نوعية التعامل "الإسرائيلي" مع التسوية اليوم، ولا شك ان عباس ينقل هذا الموضوع إلى السوريين الذين رفضوا سابقا (قبل عام 2000) هذا النوع من سيناريو اللعب على المسارات للضغط على السلطة، ولكن هذا "الرفض" يظهر اليوم بشكل مختلف مع عاملين أساسيين:

الأول أن مسارات التسوية لم تعد خيارا وحيدا بالنسبة للمنطقة، فهناك توازن جديد فرضته المغامرات العسكرية "الإسرائيلية" التي وجدت نفسها أمام معادلة من الصعب كسرها كما كانت تفعل في السابق، وربما في ذكرى "اغتصاب" فلسطين فإن النكبة الحقيقية هي في النظر إلى الموضوع الفلسطيني على أساس "الآلية" السياسية فقط بدلا من تثبيت شرعية موازية لما يسمى "الشرعية الدولية"، وهذا الأمر هو المأزق الحقيقي الذي تواجهه السلطة في ظل اعتبار "الشرعية الدولية" مجرد عنوان للخطاب السياسي فقط.

الثاني مسألة التوازن الإقليمي الذي يختلف تماما عن مرحلة ما قبل عام 2000، فالمنطقة ربما تبدو مهشمة نتيجة احتلال العراق ثم الحرب على لبنان وأخيرا الحرب على غزة، ولكنها في المقابل أصبحت "منطقة صعبة" تتداخل فيها الأدوار بشكل كبير، وهناك تشابك ما بين مواقف الدول وطبيعة التيارات الموجود على الأرض أو حتى مع نوعية الثقافة الاجتماعية، وهو أمر حساس من الصعب تجاوزه عند الحديث عن التسوية.

العاملين السابقين ووفق المؤشرات لن يغيرا من الموقف السوري لكنهما على الأقل سيحددان رؤية مختلفة للتسوية القادمة، وحتى سيشكلان بيئة مختلفة للعلاقات مع كافة الأطراف الفلسطينية بما فيها السلطة، وهو أمر على ما يبدو لن يمر بسرعة لكنه سيعيد تشكيل مساحة العلاقة وربما يضع بدايات مختلفة لها.