قبل أن ينتج المحتوى الرقمي تحولا ثقافيا فإننا سنجابه بالفعل حالات مضطربة، تظهر أحيانا في محاولة "تأطير" هذا المحتوى مثل الحديث عن قانون إعلام يشمل الإعلام الإلكتروني، أو وقائع أكثر تأثيرا في قدرة التسهيلات "الرقمية" من توفير "بيئة" متكاملة لتثبيت واقع اجتماعي واحد، وهو ما يمكن ان نلاحظه في تتبع المدونات او المنتديات العربية، أو حتى في استقراء درجة اهتمام النخب بمثل هذه الأمور، ووضعها في إطار يجسد ثقافة بعينها بدلا من اعتباره مجرد "ترهات" داخل الساحة الافتراضية.

عمليا فإن المؤتمر الوطني الأول لصناعة المحتوى الرقمي الذي سيعقد الشهر القادم سيحمل معه نوعية جديدة من الاهتمامات، هي في نهاية المطاف "تقنية" بالدرجة الأولى، وهو شأن صحي لأننا مازلنا نعاني من "أمية" حقيقية في مجال صناعة هذا المحتوى أو قي الأدوات والمعارف التي نملكها أيضا، لكن السؤال يبقى حول التفكير بهذا المحتوى ولو على ساحة النخب، وهو سؤال يعتبر خارج إطار ثقافة "المحتوى الرقمي" التي فتحت المجال للجميع كي يشارك في هذه الصناعة، لكن طرحه يأتي من زاوية واحدة فقط، لأن هذه الساحة ماتزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وعالميا بدأت بتصورات ومنتديات علمية وانتهت كفضاء ثقافي عام ينتج نفسه أحيانا أو يشكل سويات جديدة أحيانا أخرى .

بالطبع فإن هذا السؤال المتأخر سيضعنا أمام تصورين:

الأول هو التعامل الحالي مع هذا المحتوى، حيث يتم النظر إليه كأي محتوى سابق منذ اختراع المطبعة أو حتى قبلها، وبالتالي فإنه سيظهر على شاكلة ما حدث خلال القرن الماضي عندما بدأت ثورة الاتصالات تنتج ثقافتنا من جديد دون أن تأخذ بعين الاعتبار نوعية ما حدث وقدرته على خلق تحول اجتماعي وثقافي.

الثاني هو الاستفادة من هذه الساحة كي نستطيع إعادة رسم معارفنا بما يتوافق والعالم الرقمي، وفي هذه الحالة سيكون علينا تغيير شروط التعامل مع الساحة الافتراضية، على الأخص أن التصور الأول هو الغالب، وبالتالي فإن الاستثمار مع تغيير شروط التعامل سيبدو صعبا، وربما لن يكون مقنعا للمستثمرين أو لأصحاب الكفاءات أو حتى للجمهور العادي الذي سيفضل الدخول إلى الساحة الافتراضية ليصنع محتوى على قياس شروط ما قبل ظهور الثورة الرقمية.

المؤتمر بحد ذاته ظاهرة جديدة، ومهما حاولنا أن نضع نقاط حوله أو طرح ألية لكنه يمكن أن يصبح نقطة انطلاقة حقيقية للصناعة الرقمية وللمحتوى الرقمي لأنهما لا ينفصلان، وتكفي الملاحظة أن ما حدث في سورية على الأقل هو تلازم هذين الأمرين منذ بدأ التعامل مع "المحتوى الرقمي"... ولكن هذا لا يعفينا من التحدث بشكل دائم عن ما يمكن أن يقدمه المؤتمر وربما وهذا هو "الأهم"، هو البحث عن مجال حالة التفاعل التي يمكن أن تساعد على خلق حالة تفاعلية لا تقتصر فقط على "نخبنا" الاجتماعية.