هو عام 1967 القادم إلينا وكأن الأفق السياسي لم يتبدل أو يتحول، فما سقط من الخطاب السياسي هو "اللاءات" التي كانت عنوانا أساسيا، أما الباقي اليوم فيمكن قراءته من أحاديث المقاومين السابقين، فاللاءات ظهرت نتيجة "الصدمة السياسية" وليس العسكرية، وربما كانت قراءة القرار 242 حاسمة في هذا الموضوع، لأنه تعامل مع الاحتلال وفي سياق جديد، وجعله أمرا قابلا للمساومة.
بعد حزيران سيظهر الخطاب السياسي مختلفا، وسنشهد أيضا أحكاما جديدة على المستوى الدولي من متشدد إلى معتدل فشهر حزيران هو نقطة الحسم التي ستبقى وصولا لزمننا الحالي مع البدء في البحث عن التسوية، ورحلة أوباما إلى الرياض ثم القاهرة ليطرح "التسوية" من جديد، أو يشكل منطق القرار 242 على سياق الواقع الذي تبدل كثيرا منذ حرب عام 1967.
عندما يعود حزيران إلى مساحة الحدث فإن مساحات سياسية كثيفة تغطي "اللاءات" الشهيرة التي كانت عنوانا وأصبحت اليوم اتهاما ينطلق من كل مكان حول "الخطاب الخشبي" أو "المغامرون" أو حتى "المراهقة السياسية". لكن هذه اللاءات توجهت من الموقع الرسمي نحو الشارع السياسي الذي لا تجمعه عمليا نظرية سياسية، بل شعور بأنه غير قادر على التعامل مع واقعه عبر مؤسسات قائمة على حالات افتراضية، فهو لا يستطيع فهم آليات الجامعة العربية ولا طبيعة البيانات الختامية الصادرة عن أي قمة، لكنه على الأقل يعرف أن صورته أمام نفسه باتت مضطربة، وأن لاءاته متعلقة أولا وأخيرا بعدم قدرته على الارتياح وسط عالم متبدل.
هذا الشارع السياسي لم يتبدل اليوم، لكنه ابتعد أكثر عن تاريخ الهزيمة، وأصبحت الحرب بالنسبة له محصورة في الصراع السياسي، فهو اليوم إذا أراد رؤية ما يحدث فهو سيشاهدها من خلال الصراع ما بين "الممانعة" و "الاعتدال"، وسيراها حسب مساحة الشرق الأوسط ضمن صراع معقد يضع المقاومة المتهمة دائما بالولاء لـ"جهات"، و "الاعتدال" الذي يصدح أو يتحدث عن تميزه أو انسجامه مع العالم، وإلا لما اختار الرئيس الأمريكي أن يزور عواصمه، وربما اختار رئيس سابق أن يبدأ الحرب من عواصمه أيضا.
الأجيال اليوم تحتاج لـ"لاءات" إضافية تتم كتابتها على طريقة التفكير التي نعالج بها مسألة الصراع، فالقمم العربية لم تعد قادرة على رسم مواقف بل تقديم مبادرات، وكسر الحاجز النفسي مع العدو أصبح مرتبطا بعمليات كسر ثقافتنا وحقوقنا وربما هويتنا، فمسألة السلام والحرب أو الاعتراف بـ"إسرائيل" قدمت لنا أجيال بلا هوية وربما مشاكل اجتماعية كانت قادرة على خط "الإرهاب" كلما تحولنا عن الصراع الأساسي.
حزيران لم يكن هزيمة عسكرية.... كان تحول قسري نحو السياسة الدولية لتصبح الغطاء الأساسي لكل تفكير في مساحة الصراع الذي بقي رغم أننا غيرنا من طريقة نظرنا لحقوقنا.