ما بين الرياض والقاهرة، يحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يزرع الطمأنينة.. في الأولى يريد أن يطمئن العرب "بعض العرب وعلى وجه التحديد الخليج العربي" إلى أن واشنطن تستشعر "الخطر الإيراني" وتصر على اعتباره بديلاً عن الخطر الحقيقي الإسرائيلي في المنطقة!!.. وفي الثانية لن يكتفي بطمأنة العرب بل ستمتد رغبته "واسعة الطيف" لتصل حد طمأنة العالم الإسلامي كله بحصته من فلسطين، هذه الحصة التي كانت من البحر إلى النهر أيام النكبة، وأصبحت ضفة وقطاع أيام النكسة، واختُزِلت أخيراً بسلطة فلسطينية مشوشة وملتبسة تحاول مع العالم الإسلامي أن تثبت حقها في جزء من القدس!!.

وعلى وقع الخلافات "الحادة حسبما يدّعون" بين الإدارة الأمريكية وتل أبيب، وعلى وقع أصوات جنازير الدبابات الإسرائيلية وهدير الطائرات الحربية والمناورة العسكرية الأضخم والأكبر التي لا يمكن تفسيرها إلا في سياق التمهيد لزيارة أوباما بالتزامن مع حملة لم يسبق لها مثيل للترويج لـ "يهودية إسرائيل ونهائيتها" في عصر اندثار الدولة الدينية.. وأخيراً في الذكرى الثانية والعشرين للنكسة التي أسست لذاكرة "استعادية نشطة أحياناً وخمولة أحياناً أخرى"، لكنها ما تزال تمتلك القدرة على استحضار ذكرى النكسة في كل عام: أوباما في المنطقة ليقول كلمته!.

لكن، أية كلمة سيقول؟..وما الذي سيطرحه في كلمته مع هذا التشابك في مجمل الملفات؟.. المؤكد أن "العموميات" التي ترضي، ربما، مختلف الأطراف وتترك الخطاب الأمريكي مفتوحاً على كل الاحتمالات، ستكون العنوان الأبرز لكلمته، بعيداً عن الدخول في "شيطان" التفاصيل، لأن هذه الأخيرة يمكن ترتيبها والبحث فيها عبر جولات المبعوثين واللقاءات الثنائية بمنأى عن الضجيج الإعلامي والسياسي.. "هكذا أفضل" يقول لسان حال الإدارة الأمريكية ويضيف من باب عشق فكرة "خارطة الطريق": لا بد من خارطة طريق تمضي وفق مسارات ثنائية منفصلة ومستقلة بين واشنطن كطرف أول ودول المنطقة كل على حده كطرف ثانٍ، لتحسين صورة واشنطن وتلميعها، ومن ثم يمكن مقاطعة مجموع "الخرائط" فيما بينها للتأسيس للمرحلة المقبلة.

إلا أن السؤال الذي لا بد ستواجهه واشنطن، إن عاجلاً أم آجلاً، وهو السؤال الأهم الذي تعجز عن إيجاد جواب له: كيف يمكن الفصل بين تلك المسارات ومناقشتها انطلاقاً من قاعدة "علاقات ثنائية" بين واشنطن وهذه الدولة أو تلك؟.. فمثلاً، هل يمكن لواشنطن ومهما توخت الحرص والدقة والحذر أن تتعاطى مع ما يحدث في الداخل الفلسطيني بمعزل تقاطع أدوار كل من دمشق وطهران والرياض والقاهرة، وبمعزل عن صيغة إعادة تشكيل القوى في المنطقة؟.. هذا التشابك والتقاطع يمكن سحبه على العناوين التالية المطروحة بقوة وسخونة على ساحة المنطقة: "يهودية الدولة في إسرائيل".. "الاحتلال الأمريكي للعراق".. "الدور التركي المتنامي في المنطقة".. "الخارطة السياسية اللبنانية المقبلة".. "الدور الإيراني".. "مسارات التفاوض".. ثم يجب ألا يهمل في هذا السياق الحصة الأوروبية في كعكة الحدث الشرق أوسطي.

لا شك أن السؤال المطروح هو الأكثر إجهاداً وإقلاقاً للإدارة الأمريكية، خصوصاً مع إبداء عزمها وتأكيدها أنها إدارة تختلف عن سابقتها.. لكن التشابك سيظل يحكم السؤال من وجهة النظر الأمريكية: من أين ستبدأ؟.. وكيف؟.. ومتى؟..