كانت معركة بالفعل تخرج عن الإطار اللبناني ولسبب واضح يرتبط بنوعية الصورة التي سيظهر عليها الشرق الأوسط، فانتخابات لبنان تعود مرة أخرى بنتائجها إلى نقطة التأثير المباشر على كافة الأطراف في المنطقة عموما، واستثمار ما حدث يتعدى اللبنانيين، لأنه ورقة إضافية في تحديد الاتجاهات التي ستسير عليها الآليات السياسية.

القراءة خارج لبنان ستأخذ منحى مختلف عما سيراه اللبنانيون من الانتخابات، فهناك "نماذج" دخلت الانتخابات وقاعدتها الدولية أو الاجتماعية تمتد على جغرافية واسعة، لا تحدها فقط الدوائر الانتخابية، فمع كل المؤثرات التي يتم الحديث عنها ابتداء من المال السياسي ومرورا بالتخويف الذي دفع البطريك صفير يتحدث عن "عروبة لبنان!! وانتهاء بأصوات المغتربين، إلا أن القراءة داخل المشروع الإقليمي ستختلف نوعا ما لارتباطها بمجموعة عوامل إضافية:

الأول له علاقة بعمليات الاحتواء السياسي التي تقوم بها الولايات المتحدة رغم عدم الوصول إلى نتائج، فما أًطلق عليه بالخطاب المعتدل أو اتجاه حسن النوايا الذي أطلقه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من القاهرة هو الغطاء الذي يمكن ان يغلف النتائج الانتخابية في لبنان، وبشكل يوحي أن امتلاك "القوة" للتأثير على السياسات الدولية تجاه المنطقة لم يعد ضروريا، وهذا الأمر مدعوم بخطاب سياسي عربي رسمي، وبصورة قاتمة لمسألة المقاومة متداخلة مع نموذج "الإرهاب" وبعض الصور النمطية التي طرحها أوباما صراحة في كلمته.

الثاني مرتبط بـ"التحولات الدفاعية" التي شهدتها المنطقة منذ احتلال العراق، لكنها تتشكل اليوم بوضوح، فعلى المستوى العربي يظهر في النموذج اللبناني أن هذه التحولات لم تكتسب "شرعية اجتماعية"، ومهما تحدثنا عن تأثير السياسة على مستوى الرأي العام، لكن المشكلة باقية، فمنذ حرب عام 2007 ونحن نشهد انقساما في مسألة لم تكن موقع اختلاف، حيث استطاعت بعض النخب رسم العديد من إشارات الاستفهام حول "هوية المقاومة"، في وقت لم تستطع "المقاومة" من إزاحة الصورة الذهنية التي ارتبطت بها نتيجة عوامل ذاتية من جهة، وحملات إعلامية من جهة أخرى.

الثالث ما يمكن تسميته بـ"التحولات الدفاعية" هو سمة يمكن إطلاقها على عمليات الممانعة في مواجهة "العملية السياسية" الوحيدة القائمة والمرتبطة أساسا بالتسوية، في نفس الوقت فإن هذه "التحولات" لم تتضح بعد وليس من المعروف ما هي إمكانياتها الإستراتيجية المستقبلية، فهي لم تنتقل لتصبح "مشروعا وطنيا" أو "قوميا"، وهذا الانتقال يحتاج لمنحها مشروعية اجتماعية حتى يبدأ "التنظير لها" او وضع استراتيجية أوسع من كونها داخل حزب لبناني أو فصيل فلسطيني.

عمليا فإن نتائج الانتخابات اللبنانية يمكن أن تدفع نحو المرحلة القادمة لقراءة "التحول الدفاعي" في ظل بحث "إسرائيلي" متواصل عن "الأزمة الأمنية" التي يعيشها الكيان بعد حربين لم يكونا "استمرارا للسياسة بوسائل أخرى" بل ربما على العكس كانتا تعبير عن عدم وجود أي مساحة سياسية داخل "إسرائيل"....