مبعوث السلام الخاص بالشرق الأوسط لم يظهر وحيدا في دمشق فهو موجود مع فريق "تفاوضي" واسع ابتداء من جيفري فيلتمان وانتهاء بـ"الوفد العسكري الأمريكي"، وسواء كانت المفاوضات مع هذه الوفود "مشتركة" أم "منفصلة" فإن التزامن بالزيارة مؤشر أيضا على "حزمة" تفاوضية مع دمشق على وجه التحديد.

بالطبع فإن المحادثات الأمريكية - السورية دخلت مرحلة "صعبة" يمكن أن نطلق عليها "قياس الأدوار"، فواشنطن تسير في عملية "قياس" الدور السوري منذ أن فاز المرشح الديمقراطي للرئاسة، وهذا الأمر يفسر إلى حد بعيد عدم ظهور تقدم في بعض مسارات العلاقة مثل تعيين سفير أمريكي في دمشق، أو قيام ميتشل بزيارة سورية في جولاته السابقة، بينما ترك الأمر لوفود الكونغرس التي استطاعت على ما يبدو رسم صورة كاملة للمشهد السياسي، والواضح أيضا أن بعض الاستحقاقات السياسية كانت ضمن آلية "قياس الأدوار"، مثل خطاب أوباما والانتخابات اللبنانية، لأنها عبرت بشكل واضح عن طريقة تعامل كل طرف مع الاستحقاقات السياسية القادمة.

عمليا فإن "الولايات المتحدة" تملك توجها لفتح بواباتها نحو دمشق، فـ"الكثافة" الأمريكية تجاه دمشق كانت مدروسة بشكل دقيق، لكن نتائجها ماتزال على محك الحوار المفتوح لأن أي نتيجة مرتبطة بعاملين أساسيين:

بالدرجة الأولى هناك المسار السياسي في الشرق الأوسط، وعلى الأخص ما يمكن أن تقوم به حكومة نتنياهو، فالحوار الأساسي هو مع "الحكومة الإسرائيلية"، حتى لو بدا الخلاف واضحا في التصريحات بين الجانبين، أو مع وجود "معركة" في رسم أولويات "الأمن الإسرائيلي" بين واشنطن و نتنياهو، ففي النهاية سترتبط أي نتيجة للآلية السياسية الأمريكية بالوصول لتفاهمات متعلقة بـ"إسرائيل". وقياس الدور السوري في هذا المجال هو "أولوية إسرائيلية" بالنسبة لواشنطن التي تريد رسم توازن في هذا القياس.

العامل الثاني خارطة الاعتدال العربي التي بقيت ثابتة طوال السنوات الماضية، دون ان يظهر فيها أي متغير، بينما ظهرت مجموعة من التحركات على ما يسمى "الممانعة"، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة إلى "قياس" الدور السوري على هذا الأساس، على الأخص أن "التوتر" الظاهر في العلاقات العربية لا يطفو اليوم على السطح رغم بقاء كافة الأزمات قائمة.

ما يحمله جورج ميتشل معه إلى دمشق هو "سلام مركب" مع دمشق، يتجاوز "التسوية" التقليدية أو "الصفقة" بالمعنى البرغماتي للموضوع، لأن وجوده مع وفود أمريكية أخرى يؤكد تطلع واشنطن باتجاه الشرق نحو العراق وإيران، وهي المعادلة السياسية الجديدة التي تريدها الولايات المتحدة ليس فقط من أجل "إنعاش" مسارات التسوية، بل أيضا لضمان تجميد الأزمات في المنطقة، فهي لا تحمل أي جديد على صعيد "السلام" في الشرق الأوسط، إنما "خارطة طريق" لـ"تطبع علاقتها مع ما أسمته الإدارة السابقة بـ"محور الشر"، لكنه تطبيع خاضع لشروط "قياس الأدوار" بشكل يضمن "المعادلة الإسرائيلية" بعيدة عن دائرة تفاوض جديدة!!!!