أخيراً، وبعد أكثر من جولة له في الشرق الأوسط، سيحط جورج ميتشل رحاله في دمشق تحت عنوان: "التزام الرئيس باراك أوباما بعملية السلام في المنطقة" بعد أن رأت الإدارة الأمريكية أن "هذا هو الوقت المناسب ليذهب المبعوث الخاص إلى سوريا..".
الحديث يدور عن أن إدارة أوباما ستعطي ميتشل تفويضاً يمكّنه من "إعادة صياغة العلاقات الأمريكية السورية" إضافة إلى تفويض آخر يبدو ضبابياً ورمادي اللون: "التحدث عن أي قضية".. بين "إعادة الصياغة" في التفويض الأول وبين "التحدث" في التفويض الثاني تبدو المسافة شاسعة من حيث الصلاحيات الممنوحة لميتشل، وهذا ما تتقصده وتدركه واشنطن العازمة على إعادة صياغة وترتيب العلاقة الثنائية مع دمشق كنقطة أولى للعبور إلى الملف الشائك والصعب: ملف السلام.
الإدارة الأمريكية الحالية تعي تماماً، وبعد تجربة ثماني سنوات ماضية تحت إدارة الرئيس بوش، أن أكثر ما تحتاج إليه للعودة إلى الشرق الأوسط، هو تلميع صورتها واستعادة ثقة كل الأطراف بها كـ "وسيط نزيه" وراعٍ أساسي لعملية السلام.. ولهذا الغرض كان من الطبيعي أن يكون الخطاب السياسي والدبلوماسي الأمريكي، وعلى كل المستويات، خلال الأشهر الماضية، أكثر هدوءاً وانفتاحاً على الجميع، بعيداً عن خطاب استفزازي وفظ، اتسمت به حقبة الرئيس بوش، أدى إلى كل تلك الفوضى "غير الخلاقة"!!.
إذاً، بداية العودة إلى الشرق الأوسط ستكون عبر تصحيح الصورة السابقة، والأداة هي إعادة ترتيب وصياغة العلاقات الأمريكية ـ الشرق أوسطية ضمن الشرط السياسي الإقليمي الحالي ومتغيراته التي أعادت رسم بعض الأدوار الإقليمية، وواضح أن العودة ستكون على طريقة المسارات الثنائية، ومن ضمنها العلاقات الأمريكية ـ السورية التي أدى جمودها وبرودها وتوترها في عهد الرئيس بوش إلى وضع ملف السلام في الثلاجة.
ميتشل في دمشق متسلحاً بتفويض وصلاحيات "إعادة النظر بكل تفاصيل العلاقات الثنائية" بين دمشق وواشنطن وتنقيتها من الشوائب ومن ثم صياغتها من جديد.. هذا ما هو واضح وربما صريح، وهذا هو المطلوب للفترة المقبلة إذا كانت النوايا الأمريكية صادقة وطيبة وملتزمة ـ فعلياً ـ بتحقيق صفة النزاهة ضمن أدنى شروطها.
أما ما هو غير واضح وغير صحيح فهو أن ميتشل يحمل تفويضاً في "التحدث" في مواضيع أخرى غير العلاقات الثنائية، أي أن موعد الخوض في تفاصيل العملية السلمية لم يحن بعد، وما زال الوقت مبكراً، فالأولوية الأمريكية الآن تجاه الشرق الأوسط تتمثل في تأمين أجواء "ثنائية" هادئة يمكن العبور من خلالها نحو ملف السلام بعد أن تكون قد تأمنت الأرضية الملائمة لوضعه على الطاولة، تحت الإشراف والرعاية الأمريكيين مباشرة.
كل المعطيات تبدو حتى الآن مفتوحة على أكثر من خيار واحتمال، باستثناء معطى واحد لا يقبل التغيير والتبديل، ولا تنفك الإدارة الأمريكية عن التذكير به في كل محطات مبعوثيها ودبلوماسييها في الشرق الأوسط: التزامها المطلق بأمن إسرائيل واعتبارها شريكها الأساسي والاستراتيجي الأول في الشرق الأوسط.. وهنا تكمن المفارقة واضحة عندما تطرح واشنطن نفسها كراعٍ "نزيه" لعملية السلام!!.