تبدو الصورة في مساحة "المحاولات السياسية" فزيارة رئيس السلطة الفلسطينية هي هامش سياسي، ومناقشة "خطاب نتنياهو" مع القيادة السورية أو معالجة المصالحة أو غيرها من الأمور تدخل في إطار "الرسائل" المتبادلة حول رؤية "طرفين" إن صح التعبير، لكنها تملك اليوم خارطة جديدة في مساحة التداخل بين ما أطلق عليه الاعتدال والممانعة.

بالطبع فإن صورة التسوية لا يمكن ان تظهر من خلال التصريحات المعلنة سواء على الجانب العربي أو حتى "الإسرائيلي"، فتصريحات نتنياهو حول "السلام دون الجولان" ستعرقل حتى مساعي "السلام الفلسطيني"، وهي أيضا تدخل في صلب "المصالحة" لأن هذا الموضوع هو أهم نقاط الاختلاف بين الطرفين، وهو ما يدعو في النهاية إلى "كشف الأوراق العربية" من جانب واحد، بينما يستمر البحث خلف التصريحات مع الإدارة الأمريكية حول الآلية التي يمكن من خلالها استئناف التسوية بالتزامن مع التشدد الإسرائيلي.

هذه الصورة يحملها عباس اليوم، وهي قضية قديمة بالنسبة له، لكن في دمشق هناك أوراق إضافية متعلقة أساسا بنوعية التداخل الذي ظهر بعد قمة الكويت، فتبريد الجبهات الداخلية يحمل مؤشرين أساسيين:

الأول أن دمشق رغم تصريحاتها المتكررة عن "عدم وجود شريك للسلام"، لكنها تريد إعطاء "مساحة المصالحة العربية" حدها في ظل غياب حقيقي لأي مؤشر جديد يدفع هذه المصالحة نحو آليات جديدة، والمصالحة أو الاختلاف العربيين مازالا محصورا ن في مسائل التسوية أكثر من أي أمر آخر، فهذه التسوية هي في الواقع "إستراتيجية" عند البعض، وترتبط بها صورة الشرق الأوسط، وربما من هذه الزاوية فإن تكرار زيارة محمود عباس إلى دمشق تحمل على الأقل نوعا من القلق على صورة الشرق الأوسط التي تبلورت ملامحها بعد مؤتمر مدريد (1991).

الثاني هي انتهاء المفهوم القديم، وربما الحدي لسياستي الممانعة او الاعتدال إن صح التعبير، فالمفهومين دخلا في منطقة جديدة فيها الكثير من الاضطراب سواء عبر نوعية الخطاب الأمريكي أو "الإسرائيلي"، أو من خلال ما حدث في لبنان بعد انتخابات كرست أغلبية سياسية قديمة، أو الانتخابات الإيرانية التي مهما كانت نتائجها ستؤثر على المنطقة ككل، فهناك حسابات جديدة لكل الأطراف، مع استمرار "إسرائيل" وحتى الولايات المتحدة لإزاحة الصراع باتجاه منطقة مختلفة.

لا شك أن مباحثات عباس لن تحمل كل هذا الطيف من التحول، لأنها ماتزال تدور في أفق القضايا القديمة، لكن وفي نفس الوقت هناك طيف لا يمكن إهماله، أو حتى تهميشه سيؤثر على رؤية الجميع عند استرجاع القضايا القديمة، وهو أمر سيبقى معلقا بانتظار خطوة مختلفة تبعث الحياة في هذه القضايا.