هو ليس تفكير جديد، فهناك أنوثة ربما تملئ الدنيا صخبا، أو ذكورة قادرة على التصلب والتشنج، لكن ما يثار حول مشروع قانون الحوال الشخصية لن يعيدنا إلى مساحة الصراع وكأننا أمام تقسيم حدي لمجتمع أبوي من القرون الوسطى.

هي أيضا علاقات اجتماعية متراكبة بتراث نفسي اعتاد النظر إلى "النساء" كحالة محشورة ما بين الظلم الاجتماعي أو التقييم التاريخي لهن كناقصات "عقل ودين"، وربما ينتقل الظلم داخل النساء أنفسهن أو حتى على مستوى القناعة بأن هذا الواقع هو الأمر الحقيقي الوحيد، فالذكورة والأنوثة قضية لم تفتح بعد داخل العقل الاجتماعي أو على الأقل لم تنطلق كظاهرة لأننا مازلنا محاصرون بالأحكام التي تصنفنا كنساء تحت ظل الولاية الشرعية.

ولماذا لم يفتح الحديث من جديد في هذا الموضوع خارج إطار مشروع الأحوال الشخصية؟ فلأننا مقتنعات بان التقسيم جائر، وهو بالفعل يختصرنا في لون واحد، لكن الظلم الاجتماعي أبعد ما يكون عن عملية "القسر" التي تمارس، فنحن موجودات في حلبة المنافسة مع بعضنا البعض، ونحن أيضا راضيات بالهموم الصغيرة والصراعات في ساحات الذكورة، ولكن عندما يصفعنا قانون الأحوال الشخصية نرفع الأدعية إلى الله، وكأننا أمام شرخ لا يمكن أن نجتازه إلا بمعجزة إلهية.

أفكر بالأنوثة على أنها كسر لقاعدة المواد القانونية، أو أنها طيف ثقافي متنقل، ويبحث عن ذاته بعيدا عن مساحة الظلم، وأرى الذكورة حالة تغلفنا أيضا برحابة ودفء، دون أن أنسى صورة المجتمع الأبوي، وقانون العيب وجرائم الشرف، ولكن كم من جريمة شرف سببتها صورة الثرثرة أو "الغيرة" الموروثة من "كيدهن عظيم"...

كنت أطمح بأن تصبح الأنوثة عطرا مختلفا عن القضايا التي نشكلها وفق صورة نمطية، فحقوق المرأة لا تلغي أنوثتها، ولا تشطب التاريخ الطويل الذي ينتهي عند حدود الأفكار المسبقة، وكنت أطمح أيضا، ومازلت، أن تظهر الإناث بوضعهن الاعتيادي، فيكن قادرات على التواجد الطبيعي بغض النظر عن الغريزة التي تحرك البعض لتقزيم الرؤية للذكر أو الأنثى، فينتشرن بالمجتمع أو ينتشر بهم، لكن مشروع القانون ربما فتح الباب أمام كل شيء: أمام الرؤية التراثية، وأمام الفهم الخاطئ للأنوثة أيضا، وشكل نوعا من الطيف المختلط الذي يجعل "حرية المرأة" شأنا استثنائيا ومحصورا في صورة واحدة لأنثى رافضة أو غاضبة.

أنا من دعاة الحرية لكنني أحمل كل همومي الصغيرة معي... أحمل العشق والضعف البشري، وأنتشي لرؤية طفل صغير أو لنظرة دافئة من رجل... وأترجل أحيانا فأبتعد عن الحياة العامة، وأحيانا أخرى أحلم بألوان كثيرة تزينني لتثير الإعجاب...

ذكورة وانوثة!!! هو عنوان وليس صراع... تفاعل حقيقي مفروض بحكم الحياة.. بحكم البيولوجيا وبحكم قدرتنا على المحبة.