لم تمضِ أيام قليلة على إعلان كل من فتح وحماس، وفي إطار اجتماعات لجنة المصالحة الفلسطينية تحت الإشراف المصري، رفضهما الاعتقال السياسي "المتبادل" وإنهاؤه، ووقف الحملات الإعلامية بين الجانبين وتكريس كل جهد ممكن للدفع بعملية المصالحة الفلسطينية إلى الأمام، حتى عاد "مسلسل" تبادل الاتهامات بـ "النكوث" بالاتفاقات فيما يخص إطلاق سراح المعتقلين لدى الطرفين، وعاد معه "مسلسل" الحملات الإعلامية المحمومة المتبادلة التي تتعهد بنشرها "بكل همة وبهجة وسرور" وسائل الإعلام، وخصوصاً العربية منها!.

العودة المتكررة لهذا "المسلسل" جاءت هذه المرة في الوقت الذي ما تزال "لاءات" المتطرف نتنياهو في خطابه الأخير ترخي بظلالها على المنطقة وتنسف أية محاولة لإعادة الحياة إلى العملية السلمية على كل المسارات، وتعود بها إلى مربعها الأول بكل تأكيد.

في الجهة الأولى: نتنياهو يبدي استعداده للموافقة على "قيام دولة فلسطينية"، ولكن.. دولة لا حياة فيها لأنها منزوعة السلاح والإرادة والحرية والقرار.. ولأنها "يجب" أن تتعايش وتعترف بـ "إسرائيل دولة يهودية" وأن تقرّ "بحق إسرائيل" في الاستمرار ببناء وتوسيع المستوطنات ورسم خارطة جغرافية جديدة على الأرض للقدس، وبـ "حقها" في رفض عودة اللاجئين، وفوق هذا يجب أن تعترف بـ "القدس" عاصمة نهائية وأبدية وموحدة لدولة إسرائيل الـ... "اليهودية" في ظل مباركة ودعم ورعاية الغرب ـ كل الغرب ـ الـ... "العلماني"!!.

البيت الأبيض رأى في خطاب نتنياهو "خطوة مهمة نحو الأمام"، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي الذي أضاف أنه خطوة مهمة ليس نحو الأمام فقط إنما في الاتجاه الـ.. "الصحيح".. مع التأكيد على التزام الغرب وخصوصاً إدارة الرئيس أوباما بحل الدولتين. الأولى: إسرائيلية "يهودية" والثانية: فلسطينية بلا ملامح ولا لون ولا طعم ولا رائحة، والأهم من هذا كله بلا إرادة، وهي بالتأكيد لن تحمل من فلسطين إلى حروف اسمها فقط.

في الجهة الثانية: حوار فلسطيني ـ لا بد منه! ـ لاستكمال رسم صورة المشهد العربي بكامل "ضبابيته" ودورانه المتواصل في محيط الحدث دون الدخول في قلبه.. فالدخول يحتاج إلى قرارات ومواقف واضحة ونافذة وفاعلة، يُفترض أن تتجاوز بمراحل كثيرة مسألة "إعادة إعمار قطاع غزة" المدمر في بنيته التحتية والاجتماعية والإنسانية، ومن لا يُصدّق فليسأل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، أو فليدخل إلى كاميرته الخاصة!.

ويبدو أن الدوران المستمر حول محيط الحدث هو المطلوب دولياً في هذه المرحلة إلى أن تستكمل كل الترتيبات السياسية المزمع اتخاذها بخصوص عملية التسوية بحيث يظهر معها ـ وبعد وضعها موضع التنفيذ على الأرض ـ أن مجرد زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ـ على أهميتها ـ هي أكبر انتصار!.. وتظهر معها موافقة نتنياهو أو من سيأتي بعده على وقف بناء وتوسيع المستوطنات أكبر انتصار!.. وإزالة بعض الحواجز الفلسطينية في الأراضي المحتلة أهم إنجاز!..

وإلى أن "تتحقق هذه "الانتصارات والإنجازات" ستظل الإرادة والقرار الدوليين يلعبان على كسب معركة الوقت لتهيئة أجواء مناسبة لقبول "يهودية" إسرائيل كأمر واقع في قلب منطقة تعج بالأقليات الدينية والأتنية، وسيظل معها الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني على أشده ـ كتعبير عن الواقع العربي ـ دون التوصل إلى ما يفيد وحدة الموقف والقرار، إلا فيما يخص الاتفاق على "إدانة ورفض خطاب نتنياهو"!!.