كانت دعوة "دار أطلس" لتوقيع كتاب "قصة حزب" نوعا من معانقة الألم، فعلى ما يبدو أن الأحزاب أصبحت "تاريخا" أو وقائع نتناولها بنفس طريقة التراث، فالحفل تخلله عرض فيلم وثائقي عن عودة أنطون سعاده من المغترب، في زمن لم يكن مألوفا فيه ذلك "الحشد" لاستقبال مؤسس حزب أو تيار فكري وسياسي، وفي الصورة الوثائقية جرح لا علاقة له فقط بالحزب القومي، بل أيضا بالمسرح الحقيقي للأحزاب عندما تلامس مصالح الناس، فيصبح "الحزب" أكثر من هم سياسي، أو يتشكل في وجدان المجتمع كضرورة ثقافية أساسية.

هذا الألم كان يفوح من قاعة رضا سعيد في الجامعة وسط حديث تاريخي، لكنه في نفس الوقت ينبش الحاضر ولو بالتداعي، أو يعيد رسم الزمن الحالي، زمن "الأحوال الشخصية المبتكرة" على قاعدة أشرف الدينين، وزمن المصطلحات البائدة التي تتكرر كمحاولة لإعادة ترسيخها، فهذا الزمن الذي يبتعد وكأن للأحزاب شأنها الخاص، أو كأن مبدأ للحزب السوري القومي الاجتماعي ظهر قبل نصف قرن ولا تستطيع المؤسسات الحزبية اليوم تذكره ، تاركة لجمعيات حقوق المرأة والطفل ولنشطاء المجتمع التعامل بشكل إفرادي مع أخطر ساحة، فما الذي حل بـ"إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف..."، وهل شكل مشروع "قانون الأحوال الشخصية" مساحة لمثل هذه الأحزاب؟!!!

قضية هذا المشروع ربما كانت نفس قضية الحزب، لكنها تحلق اليوم خارج مساحة العمل، وربما تظهر في زوايا الإعلام، وتدفعنا للبحث بعيدا بعد أن تم "استيعاب" الصدمة التي أحدثها "المشروع"، لأن الأخطر هو في ظهور تفكير يتعامل مع أحوالنا الشخصية على طريقة "ما قبل" الدولة بمفهومها الحديث.

(قصة حزب) ربما تكون تاريخا أو محاولة للدخول للحاضر، و (قصة الأحوال الشخصية) هي المستقبل الذي نتعامل معه اليوم، فنعيد قراءتنا للتاريخ بشكل مختلف، أو نبحث عن أحزاب "التغيير الاجتماعي" التي بقيت مغلقة داخل "الأهداف" الكبرى، فانزاحت المصالح الاجتماعية عنها أو تبددت قضاياها الحقيقية على امتداد أكثر من نصف قرن، وأصبحت الأحزاب "صفحة تاريخ"، أو وثائق يمكن التفتيش عنها لتأكيد الحدث القديم.

هل يسمح لي بالتمرد على قدر يريدني أن أصبح "صفحة" داخل التاريخ، وهل أستطيع كتابة "قصة حزب" على طريقتي الخاصة فأتسرب للمستقبل بدلا من البحث في أسطر "قيلت" وروايات يريد البعض التحقق منها...

شكرا لدار أطلس و لـ"قصة حزب"، لكن الشكر الأول لأنطون سعاده الذي علمني الرفض، و "ومنع رجال الدين من التدخل بشؤون السياسة والقضاء القوميين" و "بفصل الدين عن الدولة"... علمني أن لا أكون صفحة من التاريخ لأنني للمستقبل.