بتاريخ 27/6/2007 شكلت لجنة بناء على تكليف السيد رئيس مجلس الوزراء لإعداد مشروع قانون جديد وعصري لجميع السوريين بكامل أطيافهم ينظم أحوالهم الشخصية.

وبتاريخ 5/4/2009 قدمت اللجنة حصيلة عملها في مشروع من 665 مادة . ومن الملفت للنظر أن هذه اللجنة مجهولة الأسماء، غير معروف درجة تحصيلهم العلمي وكفاءتهم لإعداد مثل هذا العمل الجدي والراقي .

وبعد مراجعة هذا المشروع نقول بكل أسف أن معديه لا يزالون مقيمين قي مقام الجاهلية، ولم يخرجوا منها لتنفس أبسط مفاهيم العدالة الطبيعية والحقوق والواجبات، ناهيك وهو الأهم بعدهم عن الحس القومي والوطني السليم. فجاء المشروع مشروع فتنة لوطن كلنا شركاء فيه، عوضاً عن أن يكون مشروعاً جامعاً للحمة الوطن ونسيجه الاجتماعي. و مسعىً واعياً لمشروع المواطنة الحقة .

كما جاء مفتتاً لأواصر المجتمع المتماسك والذي بوعيه ووحدته الداخلية كان السد المنيع أمام كل محاولات القرصنة التي أعدها أعداء هذه الأمة له. إن واضعي هذا المشروع وبالعقل الجاهلي وباللغة الخشبية التي صيغ فيها، كادوا لولا حكمة العقلاء أن يدخلوا الوطن في عين العاصفة دون أن يرف لهم جفن ودون أن يأخذوا بالاعتبار أن مقام الوطن أرفع منهم ومن عقلياتهم المتسربلة بسواد الرؤية وعقل أبي جهل .

ونتساءل ونحن في القرن الواحد والعشرين عبر أسباب استعمالهم لكلمة ونعت الذمي في المادة 38 فقرة 3 التي نصت : تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية ، ألم يدركوا بعد بأن هذا الوطن قد أسقط من مقولاته كل أنواع الذمة والذمية أم أنهم يحنون إلى عهد السلطان عبد الحميد ولا يزال هواهم وعقلهم هناك . ألم يشعروا أنهم بعملهم هذا يخالفون نص الدستور الذي نص في المادة 25 فقرة 3 ما يلي :

( المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات )

وكذا المادة 44 التي تنص على الحفاظ على الوحدة الوطنية ونسأل لماذا لم يستعن هؤلاء الجهابذة بأصحاب الاختصاص من ذوي العلم ليشرحوا لهم معنى العقائد في أمور يجهلونها ففرقوا عوضاً على أن يوحدوا . ونذكر هنا ما جاء في المواد 48 ، 63 ، 92 ، 230 ، 235 ، 278 وكلها تصب في خانة الفرقة لتعود بنا مئات السنين إلى الوراء .

وتجاهلت هذه اللجنة أبسط مفاهيم العدالة حين حاولت أن تمرر مفاهيم غريبة تمس شريحة من شرائح هذا المجتمع وضربهم في صميم عقيدتهم الدينية فأباحت الطلاق وتعدد الزوجات للمسيحيين وهذا يخالف كل منطق إيماني لديهم .

وقد انصب علمهم على نسف كل ما قامت به سورية من تطوير في مجال حقوق الطفل والمرأة فجاءت المواد 626 ، 230 ، 325 ، 278 لتعيد الطفل والمرأة إلى ما قبل القرون الوسطى .

ولم يرحموا فيما فعلوه تطلع الناس إلى مستقبل مشرف لهذا الوطن فكرسوا مبدأ عدم المساواة بين الأديان وقدموا ديناً على دين باعتباره ( أشرف الدينين ) وذلك من خلال نزع يد المحافظة كما في التشريع القديم لأصول إشهار الدين ، وأهدروا حقوق الطفل والأم في حالة اختلاف الدين ، وبدلوا في مفهوم اللقيط . فيكونوا بذلك قد خربوا منجزات سورية في هذا الحقل دون مراعاة لما وقعت عليه سورية من اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الطفل والمرأة .

إن هذا المشروع برأينا ساقط لسببين جوهريين :

أولاً : لم يراع حتى في الحدود الدنيا حرمة لدين الآخرين .

ثانيا ً : أنه لم يأخذ بالاعتبار وهو الأهم حرمة الوطن والأخطار التي تهدده بل سعى عن حسن أو سوء نية لتفتيت نسيج هذا الوطن وتلاحمه باستعمال ألفاظ وتعابير ومقاربات وأحكام بادت وعفى عليها الزمن في محاولة لاسترجاع جاهلية أعاذنا الله منها .

ونحن الذين ندعو إلى مواطنة صحيحة عادلة مؤمنة بوطنها وقوانينه ، نتمنى أن نرى يوماً قانوناً جامعاً مانعاً لحقوق السوريين جميع السوريين على مختلف أطيافهم ، ينظم أمور حياتهم دون محاباة ولا تكبر ولا تصنيف . يجمعهم ولا يفرقهم على قاعدة المساواة والمواطنة ليكونوا جديرين بوطن اسمه سورية .