لا حاجة لتفكيك مصطلح "محمية سلام" فهناك نموذج واحد على الأقل موجود في شرم الشيخ، وهناك تاريخ سياسي مرافق مطبوع بـ"الحصار" لجنوب فلسطين يتناقله الإعلام يوميا، وفي المقابل هناك "مسيرة" اقتصادية لهذه المحمية التي شكلت محورا جعل "محمية" السلام خارج منطق سيادة الدولة على الأقل في مسألة "الاعتداءات" الإسرائيلية، فالرغبة في إحاطة "إسرائيل" بمحميات لا يختلف كثيرا عن "الجدار الفاصل" من حيث إنشاء خطوط دفاع ولو "سياحية" تشتت مسألة "الاحتلال" وتحيط مقولة "المقاومة" بإشارات الاستفهام.

وإذا صحت التقارير التي تتناقلها وسائل الإعلام "الإسرائيلية" فإننا سنكون أمام شرق أوسط جديد بالفعل على الأقل في صورته "الجيوبولتيكية"، لأن شكل الأراضي المحتلة سيتحول بالتدريج إلى "بؤر استيطانية" محاطة برعاية مالية دولية، وهذا الأمر سيتجلى بمظهرين:

 الأول تحويل مناطق التوتر إلى مساحات منزوعة السيادة، وخاضعة لشبكة من المصالح السياسة والاقتصادية بعيدا عن "التكوين الاجتماعي" الخاص بها، فالسلطة الحقيقية لهذه المحميات هي بيد شبكات مالية تتسع وفق النظام الاقتصادي العالمي بحيث تضيع هوية الأرض والإنسان الموجود فيها.
 رسم الصراع خارج حدود "الحقوق" ومسألة الاحتلال، فنحن لم نعد أمام مسألة ترسيم حدود لخط الرابع من حزيران، لأن هذا الترسيم سيصبح هامشيا وسط حركة "الرساميل" أو "العولمة" التي ستجتاح جغرافية محددة من أرض الوطن.
على الجانب العربي ستؤدي هذه المحميات وظائف سياسية محددة، لأنها ستخلق واقعا جديدا تصبح فيه "مناطق" مركزية نتيجة الحركة الاقتصادية والسياحية وحتى السياسية، فشرم الشيخ أزاح القاهرة من خارطة الحدث فكل المؤتمرات واللقاءات تتم في هذه "المحمية"، وحتى هرم السلطة السياسية يبدأ في تلك المنطقة.

هذا الأمر لن يكون هامشيا بالنسبة لأي دولة شرق أوسطية، لأن السياسة ستنفصل باتجاهين وفق تجربة مصر على الأقل، فهناك العاصمة التقليدية التي تدار منها شؤون البلاد الداخلية، وهناك "المحمية" التي ستصبح محورا للسياسة الخارجية، وهو فصل يحمل كل معاني الابتعاد عن اعتبار المصلحة السياسة متكاملة، وهو يعني إقصاءا واضحا للمؤسسات السياسية الداخلية عن واقع العلاقات الخارجية وتأثيراتها او انعكاساتها على الداخل.

أما في الجانب الآخر فستبدو المحميات مناطق عزل لأي حركة سياسية أو اجتماعية تسير بشكل معاكس لواقع الاحتلال، ونموذج غزة واضح تماما في هذا الإطار، فكل الاتفاقيات لم تستطع ضمان "المعابر الآمنة"، وفي الضفة بقيت أيضا مناطق السلطة مشتتة ما بين "مناطق الاستثمار" كمحميات مثل "أريحا"، بينما أصبحت رام الله منطقة مستباحة بشكل دائم.

"محميات السلام" مشروع مستمر وليست مجرد مقترحات جديدة في التحرك الأمريكي للتسوية، لكنها تريد الانتقال شمالا اليوم باتجاه الجولان المحتل وحتى "جنوب لبنان"، فهناك شرق أوسط جديد يتم رسمه ولكن على سياق مختلف من خلال هذه "المحميات".