تركيا تكمل مساحة التحرك الدولي الذي ظهر أنه استهدف دمشق خلال الأسبوع الماضي، ورغم أن زيارة رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، ليست سياسية بالكامل، لكنها في نفس الوقت تحمل مؤشرات على نوعية الدور الذي تطمح أنقرة في لعبه بعد جملة من التطورات السياسية التي حدثت في الشرق الأوسط، فالحديث عن التسوية لم يكن فقط ضمن مجال "المفاوضات غير المباشرة"، فالولايات المتحدة انتقلت به إلى "خارطة طريق" غير معلنة، وإلى الحديث عن محميات سلام في وقت تتحرك فيه موسكو أيضا لرسم ملامح دور المؤتمر الذي يمكن أن ينعقد فيها دون تحديد تاريخ واضح له.

وبالطبع فإن أنقرة ترى عملية التسوية وفق مساحة خاصة بمسألة الأمن الإقليمي، وهي مسألة لها أبعادها في التحرك الذي قامت به سابقا ما بين سورية و "إسرائيل"، وفي نفس الوقت فإن آلية "تجميد الأزمات" الذي تقوم به الإدارة الأمريكية لا يقدم بالنسبة لتركية على الأقل مؤشرا لعمليات اختراق داخل الأزمات العالقة، فحساسية دورها ينبع من عاملين:

الأول ضرورة الحفاظ على طبيعة التوازن الذي خلقته خلال الأعوام الماضية، وعلى الأخص بعد احتلال العراق، فهي انحازت للأمن الإقليمي على حساب "التحالفات الدولية"، مما ساعدها على اكتساب دور جديد في المنطقة بعد أن بقيت لعقود خارج إطار التوازن الذي ظهر نتيجة الصراع العربي - الإسرائيلي.

الثاني التعامل مع "موقعها الأوروبي" من خلال قدرتها على التأثير داخل الشرق الأوسط، فالتعامل مع ملف التسوية هو في النهاية تعامل مع "تكوين دولي" ظهر نتيجة انغماس الدبلوماسية الدولية بهذا الملف.

عمليا فإن الدور التركي اليوم لا يشبه في طبيعته ما قام به الاتحاد الأوروبي على هامش التسوية، أو حتى التحرك الدبلوماسي الذي أنتج الرباعية الدولية، فمهمته وإن بدت مرتبطة بالمسار السوري - "الإسرائيلي"، لكنها في نفس الوقت تعتمد على "الشراكة" مع دمشق في تأمين استقرار المنطقة، فهو ينطلق من طبيعة العلاقة بين دمشق وأنقرة كواقع يمكنه التأثير على مجمل العوامل الأخرى داخل الشرق الأوسط، دون ان تعني "التسوية" إجراءات سياسية بالنسبة لتركية، لأنها تحمل معها ترابط الأزمات إضافة للواقع الإقليمي الذي يفترض العمل مع الملفات الأخرى، وعلى الأخص العراق، بنفس هذه الرؤية.

في المقابل فإن الدور التركي يفترق عن طبيعة التعاطي الأوروبي في نوعية النظر لتعاملها مع التسوية، فالمطالبة السورية الدائمة بدور أوروبي فاعل كانت تعني الخروج من شكله "الاستثماري" الذي يعبر عنه بمصطلحات مثل "المساعدة على التنمية" أو "الهبات والمساعدات، فالمطلوب هو التعامل مع الموقع السياسي للاتحاد الأوروبي، وهو ما تقوم به أنقرة اليوم من خلال المشاركة السياسية المباشرة التي يترتب عليها مواقف ونتائج وليس فقط انتظار نتائج التحرك الأمريكي.

زيارة أردوغان القصيرة إلى سورية لا تختتم الحراك السياسي الحاصل لكنها تضع مساحة واضحة في عودة الأزمات والتحرك السياسي إلى موقعه الحقيقي إقليميا في مقابل سعي دولي لخلق "حلول" لم تتضح معالمها.