مهما كانت حدود "تصورات" جورج ميتشيل المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، فإن عليها ان تواكب "شبكة" من "الأمن الإقليمي" الذي يبدو وكأنه محصور بحدود التسوية، لكنه في نفس الوقت تتراكب معه توازنات أصبحت معقدة، فالتسوية المعتادة لم تعد بين طرفين، وحدود أي صفقة يمكن أن يقدمها لسورية و "إسرائيل" لن تكون على قياس اتفاقه "التاريخي" في ايرلندا الشمالية.

وإذا حاولنا تتبع مقدمات زيارته الحالية إلى دمشق، وما حمله نائبة فردريك هوف من "حل" قائم على "حديقة سلام" في منطقة الجولان، فإننا سنواجه إشارات استفهام معقدة وذلك بعيدا عن "النية" الإسرائيلية في التوصل إلى تسوية، فضمن "الحديقة" المطروحة سنجد:

أولا - حلا على مرحلتين يرى مركز الدراسات الذي وضع هذا التصور أنه يمكن أن يحل مشكلة "السيادة السورية" على كامل الجولان وهو مطلب سوري مستمر منذ عام 1967، حيث سنبدأ من إعادة الثقة" عبر "استثمار مشترك"، وينتهي بأن تصبح "الحديقة قادرة على البقاء بذاتها" نتيجة طبيعة المشاريع الموجودة فيها، فهناك بالفعل "نزع" للسيادة المباشرة "الإسرائيلية لصالح جملة الشركات التي ستستثمر في الجولان المحتل، دون ان نجد سيادة سورية واضحة سوى التبعية الاسمية، وربما عدم القدرة على التصرف، فهل الغاية هنا جعل حدود "إسرائيل" مع سورية غائما؟ أم ان المسألة مرتبطة بتبديل مفهوم "الحدود" بشكل يحمي "إسرائيل" بمناطق "استثمارية" بدلا من قوات الطوارئ الدولية (UNDOF)!

الثاني - تعديل مفهوم التوازن الإقليمي نتيجة الصراع العربي - الإسرائيلي باتجاه "التنافس" باتجاه إيجاد جغرافية بديلة بدأت في شرم الشيخ وانسحبت باتجاه أريحا واليوم في الجولان المحتل، وهي "حدود" النزاعات العسكرية بين العرب و "إسرائيل"، فمناطق التوتر العسكري ستصبح مجال لتوتر آخر في "الاستثمار" حسب الوثيقة التي تم تسريبها مع زيارة هوف للمنطقة، بالطبع فإن "الاستثمار" سيكون "نظيفا"، أي أنه سيدخل مجال "البيئة" و "الطاقة البديلة"، وهو ما يجعل الحديث عن الأزمات العالقة مثل "الاحتلال" و "اللاجئين" و "النازحين" شأنا منسيا لأن ملكية الأرض أصبحت شأنا غائما لا يحسم مع الزمن أي حق خاص لسورية في الجولان.

الثالث - هو ارتباط "محمية السلام" مع باقي البنود التي يعالجها هوف كلما زار دمشق، حيث تبدأ بعودة العلاقات السورية - الأمريكية لطبيعتها وتستمر باتجاه العراق ولبنان وحتى المصالحة الفلسطينية، مما يجعل "محمية السلام" مرتبطة بشروط سياسية تحيط سورية من جهاتها الأربع.

ميتشيل كمفاوض بارع يحمل معه "تكوين" سياسي مشبع برؤية الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي طرح في خطاباته من تركية ومصر وحتى غينيا عن الطاقة البديلة والمشاريع "البيئية" وكأنها كلمة "ساحرة" قادرة على اختراق الأزمات، وهي في الحقيقة حلم يتم حرقه يوميا في الصراع الاقتصادي الذي لن تكون المشاريع "الخضراء" بعيدة عن مجال صراعه.