لا يمكننا النظر الى النسوية اليوم كظاهرة اجتماعية ، فهي في أحسن أحوالها نوع ساذج من تحميل المسؤولية في الكثير من مأالات الاوضاع الأجتماعية الى العقلية الذكورية أو الأبوية الرجولية بشكل فردي أو حتى شللي ، فهي لا تمتلك خطابا متماسكا ينقلها الى حيز الجدل الاجتماعي ، كما انها لا تمتلك الأرضية المفهومية و العقلانية التي تفتتح لها أبواب الأنحياز ، يتقدم ذلك كله عدم وجود شرعة حقوقية مواطنية واضحة يمكن البناء عليها ، على أسس لا تبيح للتقليدي الموروث والمرتجل قطع الطريق عليها ، لتحقيق منجز معرفي يمكنه تبرير هذا الحراك المضني تجاه أهداف غائمة ومشروطة ومرحلية تتطلبها النساء عبر هذه المماحكة العدائية ، بين جنسين لا ثالث فيزيولوجيا لهما على الكرة الأرضية . لتبدو النسوية انحياز ( وعلى الأغلب ) يشبه الهواية الى أفكار وشعارات قابلة للأستغناء عنها ،في مواجهة أية مصلحة أو ضغط أو أعاقة . حيث تبدو الأعالة ، والصورة الرومانسية للرجل ، والجنس كحديث عن الحقوق ، أو حتى الخوف من نار الآخرة ، كافية لأزاحة التفكير النسوي من جذره ، والانتقال الى مواقع معاكسة تماما وربما بتطرف أيضا .
لم ترتق النسوية لتصبح سياقا أبداعيا ، على الرغم من كونه سياقا ضمنيا في حركة تحرر المرأة لأسباب تتعلق بنهائية الشعارات وعصابيتها ، لأنها ترتكز على مفاضلة بدائية مع الرجل تبعث على الحنق والانتقام أكثر منها منافسة على انجاز الافضل او الاجمل ، ما يجعل من النسوية عصابة تتحزب في مواجهة الرجل لأنه رجل ، وهذا موجود في الكثير من الحراكات النسوية في سياق معركة تحرر المرأة ، وخصوصا بعد تحررها بعد أن وصلت الكثير من الدساتير والقوانين في انحاء مختلفة من العالم الى المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة ، لتبدو النسوية كأحد التفاصيل الناتجة عن تحرر المرأة ، وبالتالي يمكن الكلام عن تنافس أبداعي ما بين جنسين فيزيولوجيين يمكن معايرته أو لحظ مظاهره .
لطالما كانت النسوية العربية ( بما فيها المحلية ) ( كجزء من حراك المرأة التحرري ) منساقة في التقليدي جذريا فعلى الرغم مما تظهره من (شجاعة ) في مواجهة مظاهر الخلل في الحقوق الذكورية المؤثرة في حقوق المرأة ، ولكنها دائما كانت ( جبانة ) أمام أطروحات مثل الجنس والأحتشام والحياء العام ، ناهيك عن كلاسيكية غير عقلانية تجاه مسائل مثل السمعة ، والحب ، والايمان ، ووالاعراف والتقاليد التي تسمى نسويا خصوصية اجتماعية ، ( لم أرى أو أسمع عن أية أمرأة نسوية دافعت أو ارتأت في تصرف الفنانة هالة الفيصل عندما تعرت أمام البيت الأبيض أحتجاجا على السياسات الاميركية ، على أنه تصرف بمقتضى حريتها ، بل جميع من التقيت بخسنه والخ ) ، حيث تطالب النسوية العربية بالأذعان للعقل وهو مطلب حق في حال تبنت هذه النسوية العقل ، انطلاقا من الفلسفة كوسيلة للتدبر الدنيوي بالتوازي مع الايمان ، ومرورا بالمفاهيم الحقوقية ( حق العمل مثلا ) التي تضمن لها الحقوق على اساس انها ( واجبات ) أيضا ، وليس انتهاء باعتبار نفسها الجنس اللطيف الذي يحتاج الى رعاية خاصة ، حيث تلتقي النسوية اليسارية( اذا صح التعبير ) المعاصرة ،مع النسوية اليمينية ( اذا صح التعبير أيضا ) أو التراثية ، حول اكرام المرأة وصيانتها من كل عيب .
ربما كانت من أكثر الأمور احباطا في أداء النسوية العربية ، هي تشريف المرأة عن الانسان ( أي الذكر ) واعتبارها كائنا أكمل من الرجل على الأقل اذا لم يكن كاملا بشكل نهائي ، اذ لا يمكن لشخصية نسائية في الأدب أو السينما أو المسرح أو في التلفزيون ، أن تكون مجرمة أو عاهرة أو شاذة أو حتى مرتشية ، الا وتقوم قيامة حاملات رايات النسوية دفاعا عن المرأة وضد ملوثيها ومروجي الأثم عنها ، حيث تتناقض طلباتهن مع الواقع من جهة ، ومع المساواة من جهة أخرى ، فاذا كان من الطبيعي أن يكون هناك رجلا مجرما وخارجا عن القانون ، ؟ أنت تكون هناك أمرأة مساوية له كما تطالب هي على الأقل ، لأن تشابه المصالح هو ما يصنع المساواة ، كما يصنع الصراعات انطلاا من هذه المساواة . لذلك لا تنطلي حجج النسويات اليساريات على النسويات اليمينيات ، ويلقمنهن حجرا عندما يتطرقن لهكذا مواضيع . لتبدو النسوية كعصاب جنسي يدافع عن فضيلته فقط طوال الوقت .
هناك مسألة تبدو شائكة بعض الشيىء ، تظهر في السؤال التالي ، وهو هل المرأة في مجتمعاتنا قد حصلت على أكثر من حقوقها ؟ سؤال قد يبدو غريبا !!! ولكنه موضع أخذ وجذب في أوساط النسوية ، فمقابل الحقوق التي تعني واجبات ومسؤوليات تطالب بها النسويات ، هناك حقوق أكثر وواجبات أقل ومسؤليات أقل بكثير ، أم أن المطلوب بين بين ، ؟ ان الوضوح الحقوقي هو جزء لا يتجزء من حركة تحررالمرأة أي ما لها وما عليها ، وايمانها به واعلانه واعلان استعدادها على تحمله هو لب المسألة ، فالمرأة التي ترى في العمل ( بشرطها وشروطها ) هو أحد حقوقها دون ان يكون للأنتاج أي دور في نظرتها له ،هو نوع من أبتزاز الأعالة على نحو لا عقلاني اذا لم نقل خسيس ، فالمسألة لا تحتمل المخاتلة أو التفسير أو التأويل ، خصوصا اذا علمنا أن للمرأة في مجتمعاتنا من المؤهلات كي تحصل على أكثر مما تريد عبر الاعيب تستغل فيها الاجتماعي التقليدي لصالحها . ومن هنا يبدو السؤال ألآنف مشروعا ، اذ يبدو كخيار أكثر مما يتطلب اجابة فيها من المخاتلة القدر الكبير .
لا تبدو النسوية ( الظاهرة تجاوزا ) كجزء حقيقي من حراك تحرر المرأة بصفته حراكا أجتماعيا ( الجنسين معا ) ، لسببين :
الأول : هو اجتماع الرؤى المتعاكسة ( وليس المتناقضة ) للمرأة ككائن أجتماعي ، حيث الكفة دائمة الرجحان باتجاه اليمين ، لتسليم اليسار بصحتها تكتيكيا ولكنهها تذهب أدراج الرياح تربويا أي استراتيجيا .
الثاني :هوالخوف من من الحقوق الدنيوية ومن مسؤلياتها ، نتيجة الأتصال المعرفي مع الماضي التربوي من جهة ، وعدم فقدان المكاسب الناتجة عن الأنوثة من جهة ثانية .
فيما سبق لم نكن نتكلم عن مزاج شرقي أو غربي ، ولا عن أخلاق شرقية أو غربية ، بل عن مسألة عقلية تنتج من سيرورة مجتمعية تنحو تجاه الارتقاء ، حيث الانتاج هو المعيارألأول للرفعة ، المؤسس الأول للهوية المتمايزة ، وليس الهوية العصابية المتميزة ، فاذا كانت النسوية ( كجزء من حراك تحرر المرأة ) سوية ،فعليها الخضوع للعقلي والمنطقي ( كما تطلب هي من الذكوري رجلا كان أم امرأة ) بكل صراحة وعلانية ومسؤولية .