بطريقة مثيرة للدهشة واثقة من نفسها جلست بالقرب منه تسخر من طريقة قيادته الرعناء على حد تعبيرها،غير آبهة بأنه ’ذكر’ وأنها ’أنثى’، لم تسمح له رجولته أن يهزأ من قبل امرأة في الخمسينات من عمرها،وبنبرته الرجولية قال لها :’بتعرفي مين أنا’؟ ردت عليه بنبرة أشد قوة أنت بتعرف مين أنا، أنا زينب أول (وحدة) بتسوق سيارة عمومي بسورية.

من ملامح زينب الأنثوية ولغة جسدها التي اتخذت بعض الحركات الذكورية نتيجة عملها منذ ما يزيد عن 15 سنة على خط السرفيس في مدينة دمشق،لم تجعل منها امرأة تقليدية لا بل تحررت من النظرة الكلاسيكية للعمل في المجتمع على أساس جندري.
المشترك في حوار زينب مع سائق التكسي كان لغة الجسد بينهما هذه اللغة غير المحكية ذات التأثير القوي على الآخر، ومن خلالها يعبر كل منا عن مشاعره ورغباته التي يحاول إخفائها بلسانه، لكن جسدنا وبلغته الخفية،يكشف عن بواطن نفوسنا.

مازال الجسد حتى يومنا يعتبر أمراً محرماً الحديث عنه في العلن،وبقي الجسد الأنثوي يرمز إلى الإثارة الجنسية ،والجسد الآخر للقوة والتحكم والسلطة.
ومما ساعد على ترسيخ هذه الأفكار الأعراف والتقاليد الاجتماعية و الإعلانات التجارية التي تظهر الأنثى بالدور المثير حتى ولو كان المنتج (غسالة).

وبقيت لغة الجسد مقيدة بمحيط الإنسان،ومرتبطة بمخزونه الثقافي وحرية مجتمعه، فهو يفسر أي حركة تصدر عن الأنثى،حتى ولو كانت تعبيراً عن الإحراج والخجل،على أنها محاولة مجانية للإثارة،بينما بقيت لغة جسده دليلاً على التحكم والتسلط وفرض الرأي،ومنحته انفتاحاً على الآخرين أكثر من اللغة الجسدية لدى الأنثى.

إن الإشكالية المتعلقة بالقدرة على فهم لغة الجسد، وإيماءاته سواء الأنثوية منها أم الذكورية، إنما هي نتيجة لجهل أفراد المجتمع بهذه اللغة وعدم إدراكهم لأهميتها.
فالجسد هو الدليل على وجود الكائن الحي،هذا الوجود المرتبط بالآخر،والدليل على ذلك استحالة وجود ذكر من دون أنثى،فالأنثى هي الأم والحبيبة والأخت،والذكر هو الأب والأخ والزوج، وكلاهما يكمل الآخر ويحتاج إليه.