حتى اللحظة لم تضع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أي خطوط جديدة في خارطة الشرق الأوسط، فالحوار المفتوح يستهلك الزمن المتبقي أو المفترض على انسحاب القوات العراقية، وهناك حديث في الدوائر السياسية اليوم يتحدث عن "تحول" في هذا الموضوع ربما يعيد رسم أشكال علاقة الولايات المتحدة مع المنطقة، وهو ما يعطي زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لدمشق مساحة جديدة تخرج عن إطار القديم في هذه العلاقة.

عمليا فإن "المالكي" ووفق أغلب المصادر لن يغير الكثير في الخارطة السياسية أو في طبيعة الشد والجذب التي تربط دمشق ببغداد في زمن الاحتلال، لكنه يريد دفع كافة الملفات بين البلدين إلى السطح، فهذه الزيارة لا تشكل "تطورا" للعلاقات بقدر كونها ترتيب لـ"الأولويات"، فالمالكي يريد اللقاء بـ"رؤوساء العشائر"، بعد علاقات اتسمت بالتوتر وأحيانا بالشد والجذب، ورغم أنه قادر على القيام بهذا الأمر من موقع مختلف، لكنه يختار دمشق كنقطة التقاء أساسية في إيحاء إلى أن تحركه لا ينفصل عن الحوار المفتوح مع دمشق، أو احتمالات حدوث اختراقات سياسية في ملفات الشرق الأوسط من خلال سورية.

وحتى يمكن وضع زيارة المالكي في موقعها، ومعرفة طبيعة ما يمكن أن تحمله من آفاق علينا ملاحظة:

الأول أن سورية في تعاملها مع العراق فإنها تنظر إلى "نسيج الأزمات" وليس فقط إلى موضوع واحد، فما حدث في العراق خلق "الشرق الأوسط الجديد" المحكوم بترابط الأزمات، وتشابكها، ووجودها في سلة واحدة، وأعطى بعدا استراتيجيا مترابطا ما بين ملفاته المعقدة في لبنان وفلسطين وحتى في علاقة النظام العربي ككل معه. ، فالبوابة السورية على العراق ليست مجالا لتسلل "الإرهابيين" حسب الادعاءات العراقية، ولكنها أيضا المساحة المتبقية لمعظم الشرائح العراقية المقيمة اليوم في سورية.

الثاني أن مسألة "العلاقات الإقليمية" بدأت تأخذ شكلا له علاقة بـ"فصل الأزمات"، حيث تسعى واشنطن إلى تثبيت حوارها مع دمشق من خلال الموضوع العراقي، لتنتقل بعده إلى مسائل أخرى مثل التسوية والوضع في لبنان، وهو ما جعل زيارة المالكي مسبوقة بتصريحات مرتبطة أساسا بـ"أمن العراق" لتتحول بعدها باتجاه الحديث عن لقاءات مع رؤوساء العشائر.

ومهما كانت المؤشرات الخاصة بزيارة المالكي أو ربطها بمواضيع خاصة بالعلاقات الثنائية الخصوص لكنها في النهاية تؤكد على أن التوازن الإقليمي الجديد ربما يكون أبعد من التصريحات التي تتحدث عن الوضع الأمني في العراق لأنها مرتبطة بصياغة إقليمية تحاول كافة الأطراف رسمها على ضوء إستراتيجية أمريكية تأخرت بالظهور.