على عكس المحطات والبرامج التراثية ، والمحطات والبرامج الحداثوية ، والتي تلاقي هجوما من طرف واحد مضاد أو معاكس . تلاقي المحطات والبرامج ( البين بين ) مثل روتانا وLBC وغيرها وبرامج مثل بالخط الأحمر العريض أو برامج الغناء الشبابي المحدث و البرامج التي تناقش المحظورات الرقابية، تواجه هذه المحطات وهذه البرامج هجوما من الطرفين، أي من التراثويين والحداثويين على حد سواء، مما يجعل الحداثويين والتراثويين في خندق واحد (طبعا بالإذن من زياد رحباني)، وفي جبهة واحدة، ضد هذه المحطات وهذه البرامج، فالتراثويون يتهمونها بالزندقة وخدش الحياء وتعميم الفجور والخ، والحداثويون يتهمونها بالتفاهة والبذاءة وخفة الموضوعية، حيث يلتقي التياران في وحدة متينة ضد (روتانا) وأمثالها، وبالخط الأحمر العريض وأمثاله!!! ولكن العجيب ليس هذا الاتحاد الغريب، بل أن الجميع بمن فيهم التيارين يشاهدون بل ويتابعون هذه المحطات وهذه البرامج، على الرغم من التحذيرات والتنبيهات والتتفيهات، بحيث يتشابه التيارين الحداثوي والتراثوي من هذه الناحية!!!!

ومع معرفة أن كل من التيارين يملك نظرة كاملة مستقلة ومتباعدة، إلى الحياة والكون والفن، ما يجعل المرء في حيرة من أمره في اختيار الأصح، كما يجعل المرء محبطا في حال اختار رأي أحد التيارين وتابع نفس البرامج المؤثمة أو المتفهة، كما شاهد (أهل بيته) يتابعونها خفية أو علانية، فالكل يريد أن يعرف عن الشذوذ الجنسي في البلاد، والكثيرون يريدون أن ينظروا إلى ما خلف ستار التابو الجنسي والاجتماعي والعاطفي، كما يريدون أو يردن (وربما الجميع)، أن يستمتعوا بهيفاء وهبي أو دوللي شاهين أو تامر حسني أو علاء زلزلي، ليبدو كلا التيارين في مغطس الهزيمة أمام من يحتقرونهم ويعتبرونهم، بلا عمق أو بلا أخلاق أو بلا معنى .

للحق لقد هزمتهم هذه المحطات وهذه البرامج، ولكن لازدواجية الأخلاقية للمجتمعات العربية، بالإضافة إلى العنف التكفيري والتتفيهي لهذين التيارين، تجعل منهما منتصرين وهميا ، ولكن الواقع الإحصائي (الإعلانات مثلا) تقول أن حجم المشاهدة أكبر بكثير (بمن فيهم جمهور التيارين) مما يتوقع دعاة التكفير والتتفيه على الرغم من استماعهم إلى (المناصحة) من الطرفين. بحيث يبدو الأمر وكأن جمهور التيارين يلعب من وراء ظهرهما ويضحك منهما، لسبب بسيط إنهما غير قادرين على إثارة الدهشة أو المتعة في برامجهما. أو أن الخضوع لوجهات نظريهما راجع لأسباب اجتماعية تقليدية صرفة يمكن التلاعب عليها كالعادة.

في الحقيقة يبدو الإعلام من هذه الناحية وكأنه دخل في مغطس لا يستطيع الفكاك منه أو السباحة فيه ، فاستسهال افتتاح المحطات التلفزيونية ( كشأن تقني معاصر على الأقل ) يقابل بعقليات متخلفة في إدارته وتسويقه وتطويره ، حيث يبدو القسم التجاري منه يفتقد الى الإخلاص المهني ، في مقابل تقديم ميديا يتشوق المشاهد لاستهلاكها نتيجة عطشه لأي ممنوع أو مفقود ( تماما مثل ما يسمى تعطيش السوق ) ، لأذلك تبدو (عقلانية) التيارين كدهاء أهبل قليل الحيلة ، يرفض على سبيل الرفض ليس الا ، فلا بدائل موجودة لديهما ، ولا حجج لا يمكن الالتفاف عليها يمكنهما تقديمها .

اليوم ماذا يستطيع التيار الإعلامي التراثوي أن يقدم مقابل البرامج التي يرفضها ؟؟؟ لا شيء إلا إصراره على أن المجتمع سوف ينهار اذا ما استمرت هذه البرامج ، ولكن الدلائل الحسية وفي كل المجتمعات بما فيها مجتمعاتنا ، أنه لا انهيار لمجتمع ، والناس لن تأكل بعضها ، وكذا التيار الحداثوي الذي ينعي التربية الموسيقية ( مثلا ) وانصياع الناس إلى الأغاني التافهة ، ماذا يستطيع أن يقدم ؟؟؟ أيضا لاشيء!!.

وربما من هذا الباب اتحد التياران في خندق واحد في انتظار من سيأكل الثاني.