عزيزتي المرأة، أريد أن أقدم لك اعتذارات كثيرة عن تاريخٍ وماضٍ طويل أسود، أشعر فيه بالخجل والخزي لما سببته لك من إساءة وجرح للمشاعر وتحقير واستعباد.

فقد نشأت في بيئة ذكورية، تعلمت منها أن الرجال قوامون على النساء، وأن المرأة خلقت لتكون أداة للمتعة والإنجاب، وأن حقها يكون في الفراش فقط (هذا رأي لأحد مشايخ السعودية)، لقد تباهى آباؤنا وأجدادنا بإتباع ما تعودوه منذ زمن الأقدمين وسموه تراثاً وموروثاً ثقافياً، فقد وقف التاريخ عندنا منذ أكثر من ألف عام وما زلنا نجتر الماضي ونعيد تكراره، ولم نتطلع إلى الأمام أو إلى التحديث وإلى ما أنجزته الأمم في مجال حقوق الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص.

فأنا شاهد منذ صغري على مأساتك، منذ صغري كان جدي ينادي جدتي يا حرمة ويا حريمة (والحرمة هي ما حَرُم على غيره رؤيتها، والحريمة تصغير للحرمة)، كما تعودت على سماع أبي يهدد والدتي بأنه سيتزوج عليها إذا لم تلبي جميع طلباته (المحقة وغير المحقة)، وسمعت أخي يضرب زوجته بحجة بأن الرسول أمر بتأديبهن في المضاجع، وسمعت ابني يحلم بأن يتزوج بأربع، كما أني مواظب على سماع رجال الدين الكرام وحديثهم عن المرأة وحرص ديننا على تكريمها وصونها من الزلل، وذلك بإبقائها في البيت بعيدة عن منال العابثين من الرجال وكي لا تكون فتنة لهم، وعلمونا بأن عمل المرأة حرام فهي خلقت لتكون لزوجها وبيتها فقط، فلا يجوز لها الاختلاط مع الرجال في العمل لأنه ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهم، كما أن عليها تغطية جسدها ومفاتنها كي لا تثير فينا نزواتنا وشهواتنا وغرائزنا الحيوانية.

نعم هذا هو حالي وهذا هو مجتمعي، لذا لم استغرب ما تفتق به رجالات القضاء عندنا من المشروع الذي تقدموا به لتعديل قانون الأحوال المدنية في سورية، فقد عادوا جميعاً إلى جهلنا وتخلفنا وأنانيتنا فنادوك بالموطوءة والمنكوحة وصنفوك في خانة الذمية والكتابية وأبعدوا عنك أي شكل من أشكال الإنسانية.

لقد صحوت على أصوات أولئك النسوة، على أصوات حفيدات هدى شعراوي وهن يحاربن في الصحافة والإعلام وفي الجمعيات الحقوقية حول مطالبهن التي لا تتعدى أن يُنظر إلى المرأة على أنها إنسانة تتساوى في حقوقها وواجباتها مع الرجل.

اعذريني أيتها المرأة عن إساءات شعبي وقبيلتي وعشيرتي، فأنت أمي وأختي وابنتي وصديقتي وحبيبتي فكيف أرضى لنفسي ما لا أرضاه لك، هات يدك، وهات قلمك ولنسر معاً رافعين رؤوسنا مكشوفة تحت الشمس ولنفكر سوية في بناء وطننا الجميل الذي نحلم به لنا ولأبنائنا من بعدنا.