لم يترك حر آب مساحة للبحث، أو لتقليب العشق داخل الزمن الرمضاني، ولم يتوقف شهر آب عن سحب الأعصاب داخل البرود الذي يقتحم كل المساحات ابتداء من موت الرغبة في مشاهدة الدراما الرمضانية، وانتهاء بالهدوء الذي يلم السياسة في سلة واحدة بانتظار مدفع الإفطار... فهل العشق في رمضان رغبة مكبوتة أو محرمة؟؟؟ أم هي من الكبائر طالما أن الصوم يترك الجسد ثقيلا ويحيل العواطف إلى "روحانيات" هائمة!!!
في "الزمن الرمضاني" دقائق طويلة وهرج داخل الأسواق، وفيه أيضا مشاكل لا تنتهي يفرضها الدخل المحدود داخل شهر يمتاز بالاستهلاك، فالصيام على ما يبدو يؤجج الرغبة ويجعلها مسفوحة بانتظار الإفطار حتى يتم التعويض، فحتى الساحات تستهلك بالسيارات التي تحتل كل الأمكنة، بينما يذهب التفكير بعيدا نحو نهار جديد ربما يكون أقل "وطأة" من سابقه...
ربما علي الاعتذار من الشهر الذي يأتي مرة واحدة، لكنه يدحرج الزمن ويقلب المقاييس، ويجعل التفكير بالعبادة تبدو وكأنها على "هامش المعاناة"، ففي كل اللحظات أفكر بأن "العشق" ربما يمسح هذا التعب، أو يغير من النظرات الكسولة، فمن بين أصوات المدافع يطل الماضي والحاضر ممزوجا بالفوضى التي تتراكب على الساعات الطويلة، فأرغب في معانقة "المآذن" القصيرة التي كانت يوما صورة لرمضان القديم المنسجم مع نفسه ومع أزقة المدينة وحتى مع المجتمع الذي لم يكن يعرف "الدراما" و "السيارات" واستخدام مكبرات الصوت كي تضخم صوت "طبلة المسحر"....
علي الاعتذار فقط لأن الشهر لم يتغير بينما تحولت المدينة لغابة إسمنتية، وانتقلت همومها إلى مساحات "الدعم الاجتماعي"، واقتصاد السوق الاجتماعي، وأصبح الجميع مرغما على تقديم ورقة"فقر حال" كي يستحق الدعم، بينما يطل رمضان على نزوات قاسية في تكسير الحاضر والماضي، وابتكار حياة بلا هوية وربما بلا مستقبل.... فعندما يصبح السباق على موائد الإفطار مقرونا بـ"عجلات" المكروباص الذي ينتقل من مسرب إلى مسرب، ومن داخله يصدح صوت الشيخ راتب النابلسي، أدرك أن "العشق مستحيل" ليس في رمضان فقط، بل حتى في أيام السنة التي تبدو وكأنها عداد لمحطة وقود، فتدور وتدور دون ان تتبدل المشاهد.
كل المتناقضات تبدو في زمن الصوم... لأننا نسترجع الماضي بأدوات الحاضر، ونصر على إيجاد طقس لعبادتنا يحمل إيقاعه القديم لكنه محمول على عربة من "الأخلاق المستحدثة"، ثم ننتقل إلى موائد الإفطار ونحن متعبون من هذا الاختلاط... فهل نستطيع العشق في هذا الزمن المختلط؟