النظام الإقليمي المقترح هو الوحيد الذي تحرك، فوزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي زار العراق، وأنقرة أعلنت أنها ستتدخل على خط الوساطة بين دمشق وبغداد، بينما أعلنت الجامعة العربية "أنها ستتحرك"، ولكن الواقع الشرق أوسطي يملك مؤشرات واضحة بأن "النظام العربي" لا يملك مصالح في التدخل طالما انه يصارع محاوره.

الخلاف السوري العراقي ليس عاديا لأنه مثقل بالمؤشرات، فهو مترافق مع الحملة الإعلامية التي ظهرت ضد سورية من خلال "ما سرب" من تصريحات لمبارك حول "دمشق"، وهو مواكب لزيارة الرئيس المصري أيضا إلى واشنطن، ورغم الرد الهادئ للإدارة الأمريكية على ما حصل لكن التحرك الدبلوماسي لا يمكن أن يكون عبثيا، فالجهة المسؤولة عن الانفجارات أو مطالبة وزير الخارجية العراقي بمحكمة دولية هي أمور لم تعد مهمة وسط قراءة الإمكانيات المستقبلية لهذا الخلاف، لأن الشأن الأساسي هنا هو "عملية الإرباك السياسي" لواقع بدأ يأخذ شكلا مستقرا، فالتعاون في شرقي المتوسط وإن كان يبدوا مثقلا بإشارات الاستفهام لكنه أظهر أمرين:

الأول هو ان احتلال العراق أشعل المنطقة لكنه في نفس الوقت دفع بعض دولها إلى استيعاب ما حدث، وجعلها أكثر حرصا على جعل تعاونها ينطلق من "الأمن الإقليمي"، وهذا الأمر جعلها وبشكل سريع تستوعب أدوارها بدلا من التنافس، رغم أن الواقع الدولي كان يخلق تحالفات، ويعالج المسائل على أساس "محور الشر" و "الدول الفاشلة" ودول "الاعتدال والممانعة"، وبالطبع بقيت العراق نقطة الاختلاف لكنها في نفس الوقت كرست عصبية خاصة لأمن المنطقة وربما فتحت باباً جديدا للتفكير بالشرق الأوسط بغض النظر عن التشكيلات الكلاسيكية.

الثاني ترابط الأزمات فلم يعد بالإمكان الحديث فقط عن دور تركي في شمال العراق، بل أصبحت تركيا وسيطا في التسوية، وهو أمر يمكن إسقاطه على باقي الأزمات التي بدت متشابكة.

الخلاف العراقي - السوري اليوم لن يدفع "الدول الكبرى" إلى التدخل سريعا، لأن تطوراته هي التي ستظهر طبيعة التوافق أو الانقسام الإقليمي، وبعدها يمكن الحديث عن أدوار دولية أو ضغوط أمريكية، فالمهم أن اختراق المنطقة سياسيا يٌنظر إليه اليوم وفق سياق التعاون بين الدول الثلاث (؛سوريا، إيران، تركيا) رغم أن إيران وسورية ينتميان وفق التقسيم الأمريكي إلى محور الشر، وبكلام مخفف بعد ان أصبح باراك أوباما رئيسا، دولا داعمة للإرهاب، والملف النووي لهما يٌدرس مع ملف كوريا الشمالية دوريا، بينما تركيا موجودة في حلف الناتو، وهي تملك علاقات مع "إسرائيل"، وهذه الصورة تنقل الصعوبات التي تواكب تحرك الدول الثلاث، لأن حسم التعاون الاستراتيجي بينهم هو طريق طويل، لكنهم بالتأكيد يملكون مصلحة قوية في البحث عن مخرج لكل الأزمات وليس فقط أزمة العلاقات بين العراق وسورية، بينما ستبقى الأدوار الأخرى للنظام العربي غائبة لأنها مازالت تبحث عن طريقة مبتكرة تعيد المنطقة لسكونها القديم وللمبادرة العربية وربما للقمة التي تعقد أولا تعقد، فتوصياتها موجودة منذ أول اجتماع للقادة العرب، أو حتى منذ أن ظهر مصطلح "النظام العربي" للوجود....