لم يكن قرار العراقيين التواجد في سورية خلال مرحلة الاحتلال عابرا، فهو كسر قاعدة سياسية وجدت لحظة الاحتلال، وهو أيضا رسم خارطة سكانية ستبقى لفترة طويلة مؤثرة رغم كل الظروف السياسية، فما حدث لم يكن حالة إنسانية أو سياسية، فهو إعادة لتكوين الطيف الاجتماعي رغم كل محاولات "الحرب" و "الاحتلال" والطلبات الأمريكية لدمشق بضبط حدودها أو حتى تغيير سلوكها.

مأساة ما يحدث في العراق انتقلت بشكل سريع إلى مساحة ثقافية، وربما تأخرت قليلا قبل أن نشهد دراما أصبح العراق جزءا منها، وبات من الصعب الحديث عن الثقافة في سورية دون العامل العراقي الذي يغيب بفعل الظرف لكنه فاعل حتى ولو لم يطفو على سطح الحدث....

وبعد تفجيرات الأربعاء الدامي لم يعد ما يحدث بين العراق وسورية مجرد اتهامات سياسية موجهة ضد دمشق، أو ملفا منقولا إلى مجلس الأمن، بل هو قضية اجتماعية لأنه يحاول التعامل مع هذا "الطيف الاجتماعي" الذي شكل منذ البداية حالة استطاع المجتمع السوري استيعابها دون أن "يصرخ" أو "يحذر" أو يثير قضايا تجاه ما سٌمي "اللاجئين" العراقيين، فالمسألة انزاحت باتجاه آخر، وتحدث البعض عن أزمات اقتصادية ولكن القضايا تنتهي عند حدود واضحة يمتصها المجتمع دون "أضرار" حقيقية.

فيما يحدث ألم خاص يجعل من الصعب البحث سياسيا في الموضوع، وتبدأ الحياة باتخاذ شكل آخر من البحث داخل "أزمات" يتم خلقها كي نتأكد بأننا لا يمكن أن نكون حياديين، بل منحازين للتكوين الاجتماعي المنفتح بامتياز، ولقدرتنا على استيعاب بعضنا سياسيا واجتماعيا، وللبحث عن الصيغة الثقافية التي جمعتنا، وربما حملت معها لون الحرب القاتم الذي جعلنا نرى العراق أو ترانا بعيدا عن "كلاسيكية" مفهوم دول الجوار.

في دراما "سحابة صيف" هناك صورة واحدة فقط للتلوين الثقافي الذي يشهده المجتمع، فهناك "أسفل" المدينة، أو مساحتها التائهة فقط، لكن باقي الألوان مختلفة نوعيا، لأنها ترسم في كل التفاصيل أكثر من التواجد البشري.. تواجد اجتماعي كامل.. حالة كنا نتمنى أن لا توجد لأنها جاءت بفعل الاحتلال، لكننا نراها بوضوح وبعمق وتجعلنا نفهم الدافع الحقيقي لظهور "الحلم العراقي" في الاستراتيجيات الدولية، أو لفهم ما تعنيه بغداد في خيالنا الاجتماعي.... بغداد التي ينغرس الموت فيها لم تكن عاصمة فقط لأنها ثقافة منتشرة باتجاه الجميع، وهي ليست أزمة سياسية بل بعدا يمكن أن يتسرب إلينا في كل لحظة عندما نحاول التفكير بمستقبلنا.