الرهانات المتحولة لا تتعلق بما حدث يوم "الأربعاء" الدامي، فتوزيع الاتهامات في النهاية ربما يعبر عن أزمة داخلية عراقية، لكنه في نفس الوقت ينقل محاولة وضع المنطقة في دائرة خاصة، تخضع فيها الحسابات لمسألة توزيع الأدوار الإقليمية، وربما الحد من إمكانية التحرك السياسي بين دول جوار العراق قبل أن تظهر انفراجات دولية مرتبطة بملف إيران النووي ومسألة التسوية.

والمسألة ليس فيما هو مسموح به بين العراق وسورية، حتى ولو حاولت الكثير من التقارير سحب هذا الموضوع باتجاه تاريخي، لأن عدم التقارب بين دمشق وبغداد ليس مسألة مطلقة وهو مرتبط بنوعية الأزمات التي تحاصر البلدين، ومبني في الأساس على الخارطة السياسية للشرق الأوسط التي تحمل أساسا "ملف إسرائيل" قبل أن يظهر ملف إيران النووي، فعند الحديث عن "مفاجأة" تجاه سورية من خلال اتهامات الحكومة العراقية، فإن الأمر يرتبط بشأنين:

الأول طبيعة التعامل السوري مع الأزمة العراقية منذ الاحتلال، فالاحتمالات التي كانت تضعها الإدارة الأمريكية السابقة تعتمد على تأثير ما يحدث في العراق على دول الجوار وبالأخص سورية، ورغم ان هذا الأمر لم يتحقق، لكن إدارة أوباما اعتمدت حلولا بديلة مستندة إلى سحب قواتها دون تقليص حجم مصالحها، وهو أمر يقتضي الحفاظ على التكوين السياسي الشرق أوسطي كما هو قائم اليوم، وبالطبع فإن هذا الأمر يتطلب تجميد الأدوار الإقليمية عند حدودها الحالية، في وقت لا يبدو أن سورية وإيران وحتى تركيا مقتنعة بالإبقاء على صورة الشرق الأوسط التي ظهرت بعد الاحتلال.

وبالطبع في إعادة رسم أزمات على سياق ما يحدث اليوم بين بغداد ودمشق سيؤدي إلى سحب العلاقات الإقليمية باتجاه جديد، فالمسألة لا ترتبط فقط باتهام جهة معينة بتدبير الانفجار، بل أيضا بإزاحة أي دور إقليمي لاستيعاب نتائج الأزمة.

الشأن الثاني هي قاعدة التحالفات الكلاسيكية، والتي يبدو أنها تكرس بشكل سريع، فعندما تتصاعد الأزمة في اليمن بين الحوثيين والحكومة، ويتحدث البعض أن أن ما يحدث هو محاولة لخلق "حزب الله" في اليمن ولكنه موجه نحو السعودية، فإننا سندخل في مقاربة لربط الأزمات المتتالية التي تسعى لعزل القوى الإقليمية وفق محاورها التقليدية، أو حتى إعطاءها شكليا نمطيا يحد من إمكانياتها في تغير قاعدة اللعبة القديمة القائمة على المعتدلين والمتشددين، أو حتى في رسم صورة صراع مذهبي محتمل في كل لحظة.

في العراق هناك تجييش واضح للأزمة عبر نقلها نحو المجتمع، وهو يعني أيضا عدم الاكتفاء بالعامل السياسي، بل وضع الخلافات باتجاه آخر يؤثر على التعامل بين البلدين على المستوى "المدني" أيضا.

الأزمة الحالية هي في صلب رسم "الشرق الأوسط" لمرحلة ما بعد الاحتلال، دون أن تظهر أية آفاق لقدرة النظام العربي أو أي نظام إقليمي لاستيعابها، لكنها على الأقل رسمت ملامح لمواجهه مستقبلية مع تفتت الصورة القديمة لـ"الشرق الأوسط".