لا أعتقد أن هناك لزوم لمقدمة تشرح وتوصف الموسم الرمضاني للدراما التلفزيونية، فالشهر الفضيل (معجوق) باقتراحات تلفزيونية تحت مسمى دراما أضحت تشغل المشاهدين من باب التهويل المناسباتي الإعلاني الإعلامي، أكثر منها لضرورة تناول وجبة فنية هي من صلب العيش المعاصر، ربما كان السبب هو التقصير التربوي/التعليمي في التعريف بالدراما (مسرح سينما تلفزة إذاعة الخ) كمنتج وطني ثقافي ومعرفي يساهم في إرساء ثقافة اجتماعية معاصرة، ولكن المسألة تجاهلت هذا النقص لتكمله في تجاهل آخر ألا وهو النقد بمعناه التقويمي المعياري، الذي يصنع ضوابط تقنية احترافية تمكن أهل الحرفة من تمييز الغث من السمين، كما يجعل من تجاوزها عملية ابتكارية ارتقائية يستطيع الجمهور تمييزها وتقويمها.

هذا العام وفي المهرجان الرمضاني تبدو الدراما التلفزيونية السورية وكأنها بلا أسس أو معايير، فأي شيء وكل شيء يمكن أن يتحول الى صورة تلفزيونية في تعويل على مبررات من خارج العملية الفنية الحداثية، فالكاتب يرى تقصيرا في الرؤية الإخراجية والتنفيذ الفني، والمخرج يعلق الخلل على كاهل النص والممثلين وربما مهندسي الديكور ، في حلقة مفرغة لا تصل الى شيء ، هذا في حال مر العمل مرور الكرام أما اذا نجح العمل شعبيا (حتى ولو كان زبالة) فالكل يتفاخر بالإنجاز، مع إهالة الركام فوق النقد أو تحديدا فوق الحاجة للنقد.

فالنقد حاجة إبداعية، لمنتجي الثقافة، فهو يمثل حالة من التصويب عبر الحوار، ولكن النقد السوري للأعمال الدرامية لما يتجاوز الانطباعات الخيرية، بحيث يتمركز مع أو ضد بعض الأطروحات الفكرية أو القصص من حيث صدقها، لا أكثر ولا أقل. فلم أر ناقدا تجاوز انطباعاته الشخصية هذه تجاه التناول التقني الحرفي للتصوير أو المونتاج أو النص، بحيث يمكنه تناول الخطأ والصواب في المنتج الدرامي، وكأننا أمام سلعة مضروبة نريد السكوت عن انخفاض جودتها من أجل تسويقها، مع معرفتنا المستلفة أن هذا الدرب قصير جدا في مهنة الفن، فالخراب يجلب خرابا.

في مهنة الدراما ( لتلفزيونية) أصبحت هناك معايير تقنية يمكن تثمين المنتج الفني عبرها، نصا كانت أم إخراجا أم تصويرا، هذه المعايير لم تعد خافية على أحد، ولعل عدم مقدرتنا على تصدير أعمالنا خارج دائرة الناطقين بالعربية، بسبب عدم مقدرتنا على مجاراة هذه المعايير لدرجة أن رخص التكاليف لا تشفع لمنتجنا الدرامي أمام هذه المعايير، مع أننا ندعي وصولنا إلى قمم درامية غير مسبوقة.

لم تعد الدراما التلفزيونية السورية، مسألة نجاح تشبه المثل العامي (أعور بين العميان)، فالمراوحة في المكان ليست إنجازا، وجرأة رقابية هنا ، وكسر تابو هناك لم يعد يكفي لنقول لدينا دراما ناجحة وعفية ، بل أصبح الارتقاء بالمعايير ضرورة أساسية وعلى النقد تحمل مسؤولياته، وتجاوز مرحلة النقد الانطباعي الساذج والتطبيلي أو العدائي، فالدراما السورية رسالة ثقافية عليها ألا تكون ضد نفسها على الأقل .