إذاً، الموعد المتوقع لتوقيع اتفاق الشراكة الأوروبية ـ السورية هو تشرين الأول القادم حسب ما تداولت وسائل الإعلام نقلاً عن"مصادر دبلوماسية أوروبية مطلعة"؟.. هو موعد ما يزال برسم التوقعات والتكهنات و"التسريبات" على اعتبار أنه غير معلن رسمياً من الجهات صاحبة الشأن، لكنه، وعلى الرغم من تأجل قدومه على مدى خمس سنوات، أي منذ العام 2004 عندما تم توقيع "الاتفاق الأول" للشراكة الأورومتوسطية بين دمشق والاتحاد الأوروبي في بروكسل، صار قاب قوسين أو أدنى وفق المعطيات والتغيرات السياسية الجديدة ووفق "الطموحات" الأوروبية القديمة ـ الجديدة أيضاً.

طريق دمشق ـ العواصم الأوروبية ومعها بروكسل، تبدو مفتوحة اليوم أكثر من أي وقت مضى من السنوات الخمس المنصرمة، على الرغم من التحفظات الهولندية التي من المؤكد أنها لن تكون حجر عثرة في طريق توقيع الشراكة في حال كان هناك قرار أوروبي محسوم ـ وهو على الأرجح كذلك ـ ذلك أن الموقف الأوروبي العام يستطيع "هضم واستيعاب" هذه التحفظات بكل سهولة.

صحيح أن هولندا عضو في الاتحاد الأوروبي وتستطيع أن "تعطّل وتتحفظ" كما تشاء، لكن المناخ الأوروبي والمزاج السياسي الأوروبي العام يسيران اليوم بعكس اتجاه هولندا، فضلاً عن أن هولندا نفسها، ومن حيث الثقل والوزن الأوروبي والدولي، ليست فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا أو إسبانيا مثلاً.

فالمناخ السياسي الأوروبي اليوم يتحرك بهدوء وحذر وحرص باتجاه إعادة التموضع في الشرق الأوسط من جديد، بالتزامن مع التوجهات الأمريكية الجديدة التي طرحتها إدارة الرئيس أوباما والتي ترى فيها أوروبا، مجتمعة كاتحاد أوروبي ومنفردة كدول، فرصة سانحة لإعادة نسج علاقاتها الشرق أوسطية وتعويض الكثير الذي خسرته كفاعلية وحضور ونفوذ ومصالح في المنطقة بفعل سياسة الاستفراد والاحتكار والتعطيل التي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة في تعاطيها مع المنطقة وملفاتها وأزماتها.

لا شك في أن أوروبا اليوم، كاتحاد وكدول، تبحث عن أبواب ومفاتيح في الشرق الأوسط تتمكن من خلالها أن تستعيد ولو جزء من صورتها الغائبة عن المنطقة، وعملية البحث هذه ليست وليدة الساعة، ولن تكون وليدة "الموعد المتوقع" لتوقيع اتفاق الشراكة الأورومتوسطية مع دمشق في الشهر المقبل، إنما هي تعود إلى الصيف الماضي 2008 عندما سارعت فرنسا ـ ساركوزي، ومع بدء العد التنازلي لعهد الرئيس جورج بوش، إلى قيادة المركب الأوروبي والإمساك بدفته، وبالتالي التأسيس لتوجهات جديدة يمكن لها أن تؤتي أُكلها وتجني ثمارها بعد انتهاء ولاية الرئيس بوش.

من هذه الزاوية جاء المؤتمر الماضي للاتحاد من أجل المتوسط الذي بذلت فرنسا جهوداً كبيرة لإنجاحه، ليشكل انعطافة في السياسة الأوروبية عموماً، وفي السياسة الأوروبية تجاه دمشق خصوصاً بوصفها أحد أهم المفاتيح في الشرق الأوسط.. ثم تلا ذلك ظهور مناخ أوروبي عام منفتح على دمشق تجسد بزيارات متبادلة لمسؤولين أوروبيين وسوريين على أعلى المستويات.

في هذا السياق، وبمعزل عما يدور في المنطقة، يبدو من المنطقي أن يتحرك مجدداً ملف الشراكة الأوروبية ـ السورية، بعد جمود دام سنوات عدة، كثمرة طبيعية للتوجهات الأوروبية التي لا تخفي رغبتها في استعادة دورها في المنطقة، وعبر أكثر من بوابة.. والأكيد أن أوروبا، مجتمعة ومنفردة، ترى في دمشق البوابة الأكثر حساسية وإغراء وأهمية في الوقت عينه.