كيف تهرب الكلمات لتستقر في زواريب "السياسة"، أو يتحول العشق لمساحات منسية تبدأ بذاكرتنا وتنتهي في حدود البحث عن رسوم جديدة ننقشها على أجسادنا، ففي العيد يبدأ العد التنازلي لقراءة "كتاب الفرح"، ونحاول فيه شطب الأسماء التي نكرهها، أو هكذا جرت العادة كي ننسلخ من الذاكرة، ونتبرج بكل المساحات الضيقة، حتى يصبح عالمنا بحجم "الاعتدال"، وبقدر نقطة صغيرة لم تظهر على شاشة التلفزة عندما كانت غزة تتحرق...
عندما نحجز جناحا كاملا في "جغرافية الاعتدال" كي نمضي فيه العيد تصبح الأمور "زهرية"، وإذا كان الزبون من فئة الذكور تصبح "حمراء"، فالمسألة هي مقدار الشهوة التي يزرعها هذا الاعتدال في داخلنا، كي تتغلب الرغبة على كل ما يجول في العقل أو الخاطر، فيصبح الفرح مثل العرس الدموي الذي كان في "غزة" وانتقل على ما يبدو إلى قلوبنا، فما يريده البعض هو تحول "الفرح" إلى هيجان جماعي يذكرنا بالفورة الإعلامية التي اجتاحت رمضان فزرعت لحظاتنا "خيالات درامية"، وسجلنا أعلى نسبة مشاهدة وأقل نسبة تعبد أو تهجد أو صوفية لداخلنا.
كانت الأيام بطيئة مثل التكاسل الذي يسكن العقول، لكنها أيضا كانت تحلم بعيد مختلف عن الساعات الرمضانية، وكان البعض يبحث عن نافذة لهذا الإيقاع الذي يتكرر كل يوم فينتهي الحدث عند صوت مدفع مختلف عن المدافع التي اعتدناها، وبعدها سيحل الدمار في التراث النفسي الذي على ما يبدو لم يتكون عندنا، وبقي عالقا في مساحة المماليك، وذكرى المهرجانات التي يقيمها السلاطين في ساحات القاهرة... مدفع رمضان يعبر عن الشخصية القادرة على محو الأثار الجانبية لقانون الاستباحة، فهو ليس مدفعا بل ثقافة تستكمل نفسها بمساحة إضافية من "الفن المرئي" والنقاشات التي ترسم حجم افتراضي يزين لنا الأمسيات المقطعة والمبتورة والملقاة على هامش الحياة.
لكن العيد قادم يحمل معه كل "مباهج الاعتدال"، وكل المصفوفات المتوارثة من التراث (وليس من الرياضيات)، فنتباهى بأحلى زينة متمنين "أن نعيش لأمثاله"، وذلك على افتراض أن هناك "عيش" يسكن بين أجسادنا، أو حياة تنبض في داخلنا..
دون تشاؤم نحجز موقعنا في "الوسطية" و "الاعتدال".. وفي المباهاة بأننا أُعتقنا من النار، وكأن نار غزة لم تكن كافية، أو كأن "القدس" لم تضع حدا لمساحة بقاءنا على "الأعراف، فلا ندخل الجنة لكننا نرى النار بأم أعيننا....
مأساة عيدنا أنه موزع خارج "كتاب الفرح".... فهو مرتب على شاكلة رجل الصحراء أحيانا، أو على صورة السفير "الإسرائيلي" الذي على ما يبدو لم يعد يقنع بوجوده في القاهرة بل حتى بزيارة المحررين والصحفيين في مكاتبهم.. فهل هناك صورة أخرى للعيد؟!! وهل يمكن لـ"كتاب الفرح" أن يظهر في غزة بدلا من أن يبقى أسير الخيالات المكتوبة على وجوه "الاعتدال"؟؟!!! لكنني أحمل كتاب فرحي بداخلي لأطفال يولدون الآن... أو لشباب كما تقول فيروز "الليلة قد بلغوا العشرين"، فبدون أغنيات وأهازيج كانت "لهم الشمس ولهم القدس.. وساحات فلسطين".