ربما علينا أن لا نبحث في مسألة موعد زيارة العاهل السعودي إلى دمشق، بل في السؤال عن عدم تحديد الموعد حتى الآن، رغم التأكيدات بان الزيارة قائمة، فالتحليلات التي تتحدث عن أهمية هذا الحدث ربما تستوجب النظر إلى مسألة الجدول الزمني المعلق في مسألة المباحثات بين الجانبين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التطورات الحالية في العلاقة ربما تحمل انعكاسات لا علاقة لها بالملفات التي يتوقع الكثيرون أن يتم حلها بعد زيارة العاهل السعودي إلى سورية.

عمليا فإن العلاقة بين البلدين لم تعد قادرة على رسم مثلث سياسي على سياق ما كان يحدث سابقا، وهي في طورها الجديد ربما تحمل "إطارا" مختلفا بعد أن أصبح الشرق الأوسط متأثرا بعوامل دولية أكثر من كونه خاضعا للشرط العربي، والمرحلة القادمة يمكن قراءتها وفق مؤشرين:

الأول هو أن مسألة الخلافات بين البلدين لم تكن عائقا داخل العلاقات بينهما، فمنذ أواسط السبعينيات كانت هناك العديد من الخلافات وعلى الأخص في الموضوع الفلسطيني، لكن الدور السعودي كان على الأقل يعمل ضمن التوازنات الإقليمية، ولكن في ظل الوضع الحالي فإن اختلال التوازن منذ احتلال العراق، ورغبة الإدارة الأمريكية السابقة في خلق تحولات في المنطقة، هو الذي خلط الأدوار بشكل واضح، فالصراعات السابقة سواء على مستوى القضية الفلسطينية أو الوضع اللبناني أو حتى الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات، كانت تتجه بين دول المنطقة نحو البحث عن توازن، وفي الوقت الحاضر تغير الوضع ليتجه نحو تبديل المعادلة الإقليمية. وعودة الدفء حسب بعض التعبيرات الإعلامية للعلاقات السورية - السعودية يمكن النظر إليه من هذه الزاوية، حيث لم يعد ممكنا العودة إلى المعادلة السابقة وفي نفس الوقت فإن الكثير من القضايا الإستراتيجية لم تحسم بعد (مثل العراق) وبالتالي فمن الصعب خلق توازن واضح في المنطقة.

الثاني ظهرت الخلافات بين البلدين في صورتها الإعلامية على ضوء قضية اغتيال الحريري، لكنها في العمق كانت مترافقة مع محاولة الحد من الدور السوري، ومع رغبة الإدارة الأمريكية أيضا في عزل سورية، فهو خلاف مرتبط بالدور السوري تحديدا وليس بالدور السعودي الذي بقي يصارع عوامل جديدة لها علاقة بالدور الإيراني ثم بازدياد الدور التركي منذ عام 2003.

والعاهل السعودي سيزور سورية قبل أن تتضح صورة المنطقة، فالمعادلة لم تأخذ شكلها النهائي، وربما لن تتخذ أي وضعية جديدة إلا بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، لكن الجديد ربما يرتبط بأن العلاقة تستمر اليوم في ظل عدم التوقف مطولا عند حدود الدور السوري، لأنه لم يعد اليوم يعتمد على تكوين كلاسيكي، فهناك علاقات إقليمية جديدة، وتصور سياسي يرسم الدور السوري من جديد ضمن بعدين إقليمي وعربي، وهو ما يجعل العلاقات السوري - السعودي مفتوحة على احتمالات مختلفة لا ترتبط حصرا بلبنان أو العراق، بل أيضا بصورة الشرق الأوسط بعد ثماني أعوام من الأزمات.