أمرين أساسيين يمكن التوقف عنهما في القمة السورية - السعودية، على الأخص أن المعلومات الدقيقة والكاملة حول الملفات التي بحث لم تظهر بعد إعلاميا، أو حتى في النتائج السياسية وهو أمر مبكر أيضا للبحث فيه، فالقمة أخذت أولا بعدا رمزيا في مسألة العلاقة بين الدولتين، وتقليد الأوسمة كان يحمل معه نوعا من وضع العلاقة ضمن "الاحترام المتبادل" للدورين السوري والسعودي في الشرق الأوسط، أما الأمر الثاني محاولة الخروج من "الأزمات الإقليمية" داخل العلاقة، حيث حاولت القمة التركيز على البعد الدبلوماسي والتنسيق بين البلدين دون الحديث عن المواقف المعلنة، وهذا الأمر يعاكس المرحلة السابقة التي كانت المواقف المعلنة سيدة الموقف بين البلدين.

ربما تبدو القمة اليوم وكأنها تجاوز للماضي، لكنها في الواقع تحمل معها بحثا عن علاقة متوازنة رغم الارتجاج الإقليمي، وهي أيضا مثقلة بملفات إضافية لم تكن موجودة في السابق، فحتى في الموضوع اللبناني يبدو نوعية التأثير للبلدين على هذا الملف مختلف عن عام 2005 عندما كان تشكيل الحكومة يتطلب توافقا تدخل فيه معادلة (س س) التي يكثر الحديث عنها اليوم، وما ينطبق على لبنان يسير على باقي الملفات، فالعلاقات بين الرياض ودمشق تؤثر عليها عوامل جديدة يبدو أهمها:

وجود ما يمكن أن نسميه الآن "التيار الثالث" داخل الأزمات، وهو تيار مؤلف من مجموعة من القوى المتضاربة والمتباينة، لكن ما يجمع بينها هو الاستفادة من الهامش الذي حدث منذ عام 2001، فمن الصعب اليوم الحديث عن تأثير للدول العربية، وليس فقط لسورية والسعودية، على القوى العراقية، لأن عددا كبيرا منها يستخدم أوراقا ظهر على مساحة عدم التوازن الإقليمي، وهو يستفيد من قوى عربية وإقليمية ودولية ومن التداخل منها، وهو مؤثر خارج حدود العراق، بمعنى انه مولد للأزمات باتجاه دول الجوار أيضا. هذا التيار يظهر في لبنان بشكل آخر ويمكن رؤية تأثيره سواء فيما يسمى الموالاة أو حتى المعارضة، فالتحكم العربي في لبنان مختلف نوعيا اليوم، وهناك مساحة سياسية لبنانية "عابرة للقارات"، وسفارات تنافس العوامل الكلاسيكية القديمة، ولا شك أن المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس الحريري ساهمت في دعم هذا الأمر، كما أن حرب 2006 كان لها دور أيضا.

الإرباك الدولي بشأن الشرق الأوسط عموما، فالمواقف الدولية لم تختلف كثيرا عن المراحل السابقة، وخصوصا مواقف إدارة بوش الابن، لكن الآليات تغيرت وهي "مشوشة" ولم تتخذ بعد خطا واضحا، وهذا الأمر يفتح الكثير من المفاجآت على الأدوار الإقليمية القديمة أو الصاعدة، مثل الدور التركي، ومن المستبعد ظهور آليات دولي واضحة المعالم قبل حسم الملفين الإيراني النووي، والعراقي عبر الانسحاب الأمريكي من العراق، وربما ستواجه كلا دمشق الرياض استحقاقات نتيجة "التماوج" في السياسة الدولية.

القمة وضعت نفسها في ذروة الحدث العربي، وهناك رسم إقليمي جديد عليها مواجهته، وذلك في غياب مصر التي كانت لعقد ونصف طرفا في هذه المعادلة، كما عليها التعامل مع أطراف لا تريد الاستناد دائما إلى الدور العربي، وفي أحيانا كثير يصعب الجمع بينها نتيجة أجندتها المختلفة، مثل حماس والسلطة حيث يتداخل في مواقفهما حسابات أمريكية وإسرائيلية، لكن القمة أيضا تفتح الباب على احتمالات جديدة، لأن التنسيق السوري - السعودي سيؤثر بالتأكيد على الوضع الإقليمي وعلى الأطراف التي عملت خلال المرحلة السابقة وفق معادلة كسر التوازن الإقليمي.