هي مسألة "لاجئين" لم ينطلقوا من القدس، بل ربما ساروا في المساحات المنسية من تاريخنا، فنحن لم نضيع مدينة واحدة، بل أضعنا أنفسنا ثم حاولنا اختراق كل الأجيال بالتغني بمدينة "الديانات".

لا أعرف الفارق بين القدس وبغداد وبيروت، لأنني عندما غادرت بغداد كنت أعرف أن "آخرين" سيستوطنوا صورة هذه المدينة، وربما حدث الأمر نفسه في القدس، فهل علينا النظر فقط إلى ما هو منظور، أو إلى المغتصب الذي يجلس في بيتنا، وينام مع نسائنا... هل علينا تعريف اغتصاب المدن من جديد؟!

بالنسبة لي لا فرق بين بغداد والقدس، لأن الصور الصفراء كانت نفسها، ففي القدس كان التعصب يجتاح المدينة أو يهودها، وفي بغداد صورة مماثلة لظلال رجال أحاول أن أعرف لون تطرفهم، لكنني عندما عجزت تركت المدينة وأنا أحلم بالعودة، والانتهاء من "سمة" اللاجئة، أو الباحثة عن مساحة حرية أو وطن.

عندما سقطت القدس انتهى زمن التفكير المتعدد، واللون الثقافي الذي يحمل كل طيف الدنيا، وعندما تهاوت بغداد كنت اعرف أن اللون الواحد الذي انتهى بعد الدخول الأمريكي سيبقى وإنما بصورة أقسى...

أبحث في المدن عن لون السقوط الذي أنهى زمنا كاملا، ثم جرفني نحو الغربة حتى لو بقيت في المدينة، فأغني مع فيروز أو "أدور" معها في شوارع القدس "العتيقة"، لكن صوتي لا يطير مثلها، أو يخلق زوابع، فأنا مخنوقة بطبعي، وهاربة من الملثمين الذي ينتظرون في كل الزوايا، فعندما غنت فيروز لسقوط القدس، كانت أخريا ت تنشدن أنهن أصبحن يمتلكن بندقية، واليوم لا أعرف ماذا أستطيع أن أمتلك، وهل بالإمكان أن تصبح الكلمات سلاحا؟!!

يا قدس لك أكثر من البحث لأن المسألة أعقد من مساحاتي الضيقة اليوم، أو من بقائي متفرجة في زجمة اللجوء الذي يحاصر مدن الشرق والعار الذي أمسى يمشي عاريا كما وصفه الدكتور عزمي بشارة بعد تأجيل التصويت على تقريرغولد ستون ، لكنني أفكر أن المتفرج أو المشاهد، وأنا شاهدة ومتفرجة، لا أستطيع البقاء دون انفعال... فهل استطيع كبت انفعالي إلى الأبد!!!