تأجيل المناورات التركية التي تشارك فيها "إسرائيل" ربما يدفع إلى النظر من جديد إلى التكوين السياسي في المنطقة، فرغم أن أنقرة حاولت إعطاء هذا التأجيل بعدا عاديا بعيدا عن أي مواقف سياسية جديدة لها، لكن عمق هذه المسألة يرتبط بعلاقات تركية الإقليمية وعلى الأخص رغبتها في خلق توازن خاص وذلك بعد توقيعها لاتفاقية مع أرمنية، وربما عودتها من جديد إلى مساحة تركتها لفترة طويلة.
بالطبع فإن مسألة تأجيل المناورات يمكن ربطها بكثير من العوامل، إلا أنها في النهاية تعبر عن سياسة تركية تعرف أن "العمق الاستراتيجي" ربما يدفعها إلى تغير دورها وحتى نوعية وظائفها داخل حلف الناتو، فالمسألة ليست تصفية تبعات السياسة التركية خلال الحرب الباردة، بل أيضا تشكيل شبكة العلاقات التركية مع الأخذ بعين الاعتبار:
إن التوازن الذي تطلبه تركية يتضمن احتواء للعلاقات التركية - الأوروبية، ومن جانب آخر التعامل بواقعية في علاقاتها مع واشنطن، فهي تعرف الإشارات التي صدرت عن إدارة أوباما وعلى الأخص بعد زيارته لتركية وخطابه الشهير بها، وفي نفس الوقت تدرك طبيعة الأزمة التي خلفتها الولايات المتحدة بعد احتلال العراق.
الثاني هو نوعية علاقاتها الشرق أوسطية، فتركية تبدو مرتاحة لعودة العلاقات السورية - السعودية لحالتها الطبيعة، ولكنها في نفس الوقت تريد المشاركة في نوعية التنسيق بين الرياض ودمشق لأنه يؤثر على مصالحها وعلى الأخص في العراق.
المؤشرات التركية اليوم لا ترتبط فقط بمسألة تأجيل المناورات، لأن أنقرة تنظر إلى آلياتها السياسية بشكل مترابط، وربما تسعى لجعل مسألة إعادة الثقة لعلاقاتها مع محيطها الجغرافي شأنا جوهريا يتطلب البحث عن موقعها الحقيقي في التكوينات الدولية التي انضمت إليها سابقا، فمسألة خروجها من حلف الناتو هو أمر غير وارد، وفي نفس الوقت فإن تعاملها مع هذا الحلف يكتسب قوة إضافية نتيجة قدرتها على التحرك في الشرق الأوسط بشكل أفضل، فالقضية بالنسبة لها هي "المبادرة" التي تريد أن تمسك بها في الشرق الأوسط كجغرافية يمكن أن تتلاقى عليها السياسة الأوروبية والأمريكية، وهي أيضا المحطة الأهم في نقل "الحرب على الإرهاب" إلى فضاء جديد قادر على استيعاب التوترات التي تبدو اليوم واضحة في افغانستان، لكنها في نفس الوقت يمكن أن تنفجر في أماكن أخرى إذا لم يتم تعديل الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط.