الرواية تبدو مرعبة ليس بتفاصيلها، بل بترابط "التطرف" الذي يظهر وكأنه حلقة تنسجها السياسة ومكافحة الإرهاب، ثم تعيد وضعها بأشكال مختلفة، فالصورة الأولى لما حدث في "فورت هود" تحمل بعض التداعيات التي تنتقل سريعا نحو صور أخرى من أفغانستان، أو حتى من القدس، ولكن الرابط الأساسي هو توقف الزمن أو التاريخ، وربما تشابه المظهر ما بين جدائل المستوطنين الذين يملؤون شرفات منازل كانت لمقادسة، واللحى والزي الذي أصبح صورة نمطية لقادة طالبان وهم يظهرون في ذروة المعارك، وأخيرا صورة الطبيب الذي نشرتها بعض مواقع الانترنيت بلباس أبيض "قبيل" المجزرة التي نفذها في فورت هود.

المسألة اليوم أن تفكيك ظاهرة التطرف لا تسير على نسق واحد، وهي تحمل مزيجا غريبا من السياسة والإعلام، لكنها كظاهرة دولية خاضعة لأجندة مكافحة الارهاب أكثر من كونها واقعا يستحق التفكيك والبحث وإعادة رسمه بعيدا عن المعارك وأزيز الرصاص، فالعالم الذي أراده البعض أكثر أمنا هو اليوم أكثر حذرا، ويحمل معه العديد من التساؤلات والريبة والشك، وهو غير قادر على التعامل مع التطرف إلا من خلال أجهزة الرقابة والتأكد من الوثائق، وحواجز التفتيش التي أصبحت ثقافة توحي بالعزلة.

ما حصل في "فورت هوت" يثير الرعب على الأقل لمن يحاول أن يفكر دون أن يحمل معه الأجندات السياسية، فالمسألة كما يمكن رؤيتها ليست في الحدث بل أيضا في واقع اجتماعي يمكن أن يشكل من ذاته بعض أدوات التطرف، ويمكن أيضا أن يخلق طفرة سريعة فتظهر مأساة لم تكن تخطر على البال، فمن يعرف المجتمع الأمريكي يعرف أيضا أنه خليط قادر على التجانس، وأن معاركه دائما كانت تدور على بقاء الحرية الفردية القادرة على إعطاءه تمايزه، ومن يعرف المجتمع الأمريكي يدرك أن أخطر ما حدث بعد أحداث الحادي عشر من إيلول هو الخلل الثقافي أو حالة الريبة التي لم يتم تجاوزها سريعا.

هذا الأمر حدث سابقا في بريطانيا بعد تفجيرات مترو الأنفاق في حزيران 2005، لأنها أظهرت أن مسألة التطرف تحتاج لأكثر من أجندة سياسية، وهي أيضا تتطلب التوقف بشكل دقيق مع ظاهرة ربما تنسجها السياسة دون أن تستطيع حالة العولمة الثقافية استيعابها، فحوادث التطرف يتم تناولها وفق القواعد الإعلامية، ووفق حالة التنميط المعتادة في الإعلام، مما يجعلها بعيدة عن التحليل أو المجابهة الفكرية.....

الحاجة اليوم تقتضي بالفعل البحث عن حلول نظرية وتفكيك لظاهرة التطرف أينما وجدت ودون خطوط حمر في تناولها، أو حصرها ضمن ثقافة أو دين واستبعاد تطرف آخر تتم ممارسته في القدس مثلا، لأنها ظاهرة مترابطة لأبعد الحدود.