عباس الذي يتحدث عن إمارة "ظلامية" يحلل أيضا الصراع ويستنتج ان سياسة "إسرائيل" ربما تشعل حربا دينية! لكن "رئيس السلطة" لا يرى ما يحدث من زاوية أخرى، أو ربما يستمر في مسألة الانتخابات وكأن مسألة الأقصى والقدس هي شأن خارج عن المساحة الفلسطينية، فهموم عباس ربما تبدو أصغر مما نتوقع، وهي تتشكل يوميا على إيقاع "الإمارة المضيئة" التي نشأت ربما بعد ان أعاد دايتون تشكيل قوات الأمن التي بدت خلال حرب غزة مشابهة تماما لهموم محمود عباس المحصورة على ما يبدو بزهاء الصورة التي يريد أن يرسمها وسط عالم لن يراه.

والمسألة في الواقع تخرج عن ‘طار الرمزية في هموم عباس، كما أن أي هجوم سياسي عليه ليس شخصيا أو لاختلاف الرؤية بشأن "التسوية"، فالأمر أعقد من ذلك حتى ولو أبقته السلطة الفلسطينية في إطار الانتخابات، فنحن بالفعل أمام ضغوط "إسرائيلية" على عباس بشأن وجوده في السلطة وليس لأنه يرى إسرائيل كاحتلال، ويرى الصراع في الأقصى من منطق الاحتلال، فعندما يتم تسريب أخبار داخل الصحف الإسرائيلية بشأن استقالته أو عدم ترشحه، وعندما يُسأل ياسر عبد ربه حول هذا الأمر فيقول إنه سابق لأوانه!!! فإن صورة عباس لم تعد تظهر كسابق عهدها وهو الذي انتظر طوال سنوات منذ توقيع أوسلو حتى يجد نفسه وسط حلمه على هرم "السلطة"، ثم لا يحرم الحنكة في الحديث عن حماس محاولا أن يضعها ضمن إطار الحرب الدولية على الإرهاب.

وبالطبع فالمسألة ليست "خيانة" أو حتى صراعا سياسيا، بل هي تشتيت متعمد لمساحة الصراع الحالية وربما المستقبلية، لأن الحديث عن "إمارة ظلامية"، ثم إعلان الانتخابات على منطقة محتلة ثم الحديث عن "حرب دينية، يضعنا أمام مسألتين:

الأولى هي أن مسألة القدس بالنسبة للهم الذي يظهره عباس ليست حتى ورقة تسوية، بل مسؤولية دولية لا ترتبط بمواطنين فلسطينيين يتم هدم منازلهم يوميا، هذا بغض النظر عن رمزية القدس والأقصى في تاريخ فلسطين على وجه الخصوص.

الثاني هم عباس الثاني التبرؤ من أي مقاومة يمكن أن تظهر مجددا، وهو بالحديث عن "حروب دينية يتجاوز الذين يدافعون عن الأقصى وهم ليسوا عربا أفغان، أو مقاتلون قادمون من الشيشان، بل فلسطينيون ممن تبقى من المقادسة في هذه المدينة، فعباس يملك حذره الخاص وعلى الأخص في ظل عدم قدرته إرضاء أي طرف، فهو متهم بسحب تقرير غولدستون من المناقشة، ومتهم من قبل الإسرائيليين بإعادته للنقاش، لذلك فإن عليه الحذر حتى من محمد دحلان الذي طالب يوما ما بتحميل عباس لمسؤوليته بشأن تقرير غولدستون.

رغم ذلك فإن رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته يحذر "الغرب" تحديدا من حرب دينية وهو يعرف حساسية مثل هذا المصطلح في ظل الحرب على الإرهاب، وربما نفهم من كلامه موضوع مختلفا عن الضغط على إسرائيل، فهل هو يطلب براءة ذمة في حال تجدد المقاومة؟!!! السؤال متروك لهموم عباس الصغيرة التي تنظر اليوم فقط لموعد الانتخابات داخل وطن محتل....