ليست مجرد تحركات دبلوماسية، أو محاولات إيجاد مساحات سياسية في زمن لا يوصف بالانفراج، لكن البعض يعتبره "وقت مستقطع" بين أزمتين، فالحراك السياسي الذي يمكن رصده من دمشق يلتقي في نقطة تقاطع الأزمات، فهناك "صيغة" مفقودة عند قراءة أي تحليل على الأخص أن ما يحدث اليوم هو "مقارنات" بين موقع دمشق سابقا، وموقعها الحالي، وهو ما يربك أي قارئ لمسيرة الحدث السياسي.

الأمر الوحيد الذي يملك واقعا هو "الحركة السياسية"، لكن هذه الحركة في نفس الوقت ماتزال محاطة بالمعادلة القديمة التي ظهرت منذ احتلال العراق، فنحن أمام أزمة سياسية تعصف في العراق رغم أن الوضع الأمني لم يعد هاجس التصريحات الأمريكية، لكن الواضح ان المعادلة السياسية العراقية تنظر إلى دمشق، سواء بـ"الاتهام" عبر "عيون المالكي"، أو بالبحث عن تكوين جديد من خلال القوى السياسية المختلفة.

في المقابل لا تبدو الأزمة اللبنانية منتهية، بل هي في مرحلة عبور طويل داخل مشاورات تتوقف ثم تنتعش، بينما تشعر معظم الأطراف أنها في مرحلة رمادية مع سقوط الاستقطاب الحاد بينها الأمر الذي ربطه البعض بأطراف خارجية!!! فالولايات المتحدة لم تعد مهتمة بتضمين كل تصريحاتها اتهاما لسورية ودعما للبنان، والعلاقات السورية - السعودية أنهت حالة التوتر دون أن تحسم كافة المسائل أو تعيد الارتباط فيما بين البلدين عبر البوابة اللبنانية، فهذه العلاقات تسير بشكل غير مألوف، وكأنها اتخذت قاعدة جديدة لها مرتبطة بـ"جملة العلاقات الإقليمية" وليس فقط بموضوع لبنان أو بالمشاكل العالقة داخل أروقة الجامعة العربية.

الأزمة الأخيرة والأكثر حساسية تبدو في فلسطين، فهذا الموضوع الذي شق الإستراتيجية العربية خلال العقد الأخير يتحرك على إيقاع من الصراع الداخلي الفلسطيني، وتأجيل المصالحة لم يشعل حرب تصريحات عربية، بل ربما على العكس كان مناسبة لاعتزال هذه المصالحة بشكل نهائي، أو ربما بانتظار انتهاء المناورات الإسرائيلية، فالحماس لاستقطاب الأطراف الفلسطينية متوقف عند حدود "البرود" الإقليمي الذي يجتاح المنطقة وكأن أزماتها لن تشتعل مجددا!!!

صورة الحراك السياسي السوري تبدو تحضيرا لما سيحدث، أكثر من كونها استرجاعا لما قطع قبل أربع سنوات، وإذا كان البعض تفاجئ بعدم توقيع سورية لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، فإن الأمر من الوجهة السياسية لا يبدو مفاجئا، لأن الشرق الأوسط يحتاج بالفعل إلى جبهة جديدة، وربما إلى توازن يكسر ما حدث سابقا لأن الحسابات اختلفت ومنطقة القوة بين الدول ربما تغيرت، واشتعال الأزمات ممكن لكنه هذه المرة لن يكون وفق السياق السابق، وهو ما يستدعي "عمقا" جديدا، وانتقالا لإعادة الصراع لمحوره الأساسي، فـ"إسرائيل" ماتزال موجودة، وهي الوحيدة المستمرة في إجراء المناورات رغم كل محاولات التبريد التي تسعى إليها الولايات المتحدة....