مع عدم تجاهل الأهمية العسكرية للمناورات الإسرائيلية لكنها تأتي خارج سياق الحدث السياسي، فحتى الملف الإيراني النووي يدخل في مساحة سياسية تحاول خلق "صفقة دولية" إن صح التعبير، لكن المناورات ربما تحمل أيضا سمة إضافية مرتبطة بالمهام "الإسرائيلية" بالدرجة الأولى، فالعمل العسكري الذي يبدو "مستحيلا" وفق السياق السياسي، يمكن أن تصبح آلية رغم كل محاولات التهدئة أو خفض التوتر!!!

بالنسبة لـ"إسرائيل" فإن المناورة الحالية لا يمكن فصلها عن التجربتين العسكرية والسياسية خلال السنوات الأربع الماضية، حيث يمكن ملاحظة ثلاث أمور أساسية:

الأول مرتبط بزمام المبادرة التي تبدو وكأنها سقطت بعد تجربتين عسكريتين في 2006 و 2008، فـ "الطاقة" العسكرية الإسرائيلية تقف عند حدود واضحة، ولم تتمكن من فرض واقع سياسي رغم استخدام القوة بشكل مفرط حسب التعبير الدولي، لكنها في الواقع وصلت لحدود جرائم الحرب دون أن تكون قادرة على خلق حسم في الغايات السياسية للحروب، وهو أمر معاكس لمسيرتها، ففي عام 1967 استطاعت أن تفتح المجال لمسألة الاعتراف عربيا بها، وفي عام 1982 كانت قادرة على إزاحة منظمة التحرير من حدودها، ثم الدخول إلى مفاوضات قادت باتجاه أوسلو.

الثاني لا يمكن فصل المناورة الحالية عن "التوازن" الإقليمي كما تراه "إسرائيل"، فهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي ماتزال تقوم بمناورات عسكرية تفترض فيها وجود محيط معاد لها، رغم كل الطروحات التي تقدمها حول مسألة التسوية، أو اعتراف العرب بها، فالتوازن العسكري بالنسبة لها يبدو محاطا بعدد كبير من إشارات الاستفهام، حيث ترى "إسرائيل" أن التوازن السياسي في المنطقة لا يقوم إلا بكسر هذا التوازن عسكريا وهو ما تطبقه فعليا وبشكل واضح خلال الأعوام القليلة الماضية.

الثالث هو ارتباط المناورات وحسب التصريحات الإسرائيلية بالملف النووي الإيراني، ورغم أن مثل هذا التوجه ليس جديدا، لكن مؤشر على نوعية ارتباط الأزمات كما تراها "إسرائيل"، وهي تريد الإيحاء أن الخطر الحقيقي على وجودها يبعد آلاف الأميال، لكن الواقع السياسي يظهر أن المسألة أعمق، لأنها متشابكة مع العوامل السياسية الحالية، وهي تريد إبعاد كافة الأطراف حتى ولو كان دعمها سياسي، فالرهاب "الإسرائيلي" من إيران لا يكمن في إمكانية استخدام طهران لقوتها النووية "المفترضة" بل لعدم قدرة "إسرائيل" على إيجاد توازن سياسي بمعزل عن إيران.

بالطبع فإن المناورات الحالية قائمة على المعادلة السابقة في مسألة القوة العسكرية، رغم أنها تعرف تماما أن الميزان العسكري ربما انتقل إلى إحصاء عناصر جديدة، لكنها في النهاية تملك أسبابها السياسية بالدرجة الأولى، أما الشأن العسكري فهو سيظهر لاحقا مع مراقبة ما سيحدث خلال المناورات.