الرئيس اللبناني ميشيل سليمان في دمشق، ولكن التغير الحقيقي في علاقات البلدين لم يتحول عن النقاط القديمة التي رافقتهما منذ مراحل الاستقلال الأولى، فما حدث هو رسم أشكال جديدة سواء عبر "التمثيل الدبلوماسي" أو حتى الحديث حول "ترسيم الحدود"، فبعد أكثر من أربع سنوات على انسحاب الجيش السوري من لبنان ربما يعود السؤال الأول حول نوعية "العلاقات التبادلية" التي تحكم سورية ولبنان، وذلك بغض النظر عن المصطلحات التي سادت في العقدين الماضيين، وتناوبت ما بين "الهيمنة" و "الصداقة والتعاون".
عمليا فإننا نقف اليوم من جديد عند مساحة الدور السوري الذي لا يعود إلى صورته السابقة، في وقت فشل الرهان على موضوع "تغيير السلوك" الذي طرحته الإدارة الأمريكية السابقة، فما نملكه اليوم ربما لا يشكل إعادة لرسم هذا الدور، بل فتح تصورات في ظل عاملين:
الأول لبناني، فمعادلة الحكومة اللبنانية اليوم لا توحي بأن هناك على الأقل "تقليم أظافر" لما يسمى حلفاء سورية، ولكنها في نفس الوقت تبدو متأثر بالعوامل الداخلية بقدر تأثرها بـ"الحسابات" الخارجية، وخروجها للنور لا يعني فقط توافقا سوريا - سعوديا، بل أيضا استرجاع "الأبعاد الدبلوماسية" مع دمشق بالدرجة الأولى التي كانت قبل عامين على الأقل في مرمى نيران الكثير من القوى الإقليمية.
هذه الصورة لا يمكن فهمها وفق بعض التعبيرات السائدة في عدد من الصحف التي تصف الدور السوري بـ"المحوري"، فهي في عمقها بناء للتوازن من جديد مع الأخذ بعين الاعتبار الضرورات التي تحكم كلا البلدين وأهمها مسألة الصراع مع "إسرائيل" الذي بقي عاملا "محوريا" في رسم سياسة دمشق تجاه لبنان، أو حتى في نظرة لبنان إلى نوعية تعامل سورية معها، فهناك تعامل معقد يحكم لبنا بالعالم الخارجي وينعكس سريعا تجاه سورية وتجاه مسألة الحرب أو التسوية مع "إسرائيل".
الثاني إيراني، فالرهان السابق حول حوافز لسورية ستبعدها تلقائيا عن طهران كان يعتبر أن التوازن الإقليمي قابل للوجود بغض النظر عن إسرائيل، وما يحدث اليوم هو أن التعاون الإقليمي يسير معاكسا لإسرائيل، وربما سيصبح في مواجهتها إذا بقي الجمود السياسي مسيطرا على مساحة "التسوية"، فالعلاقة السورية - الإيرانية تتجه نحو الأبعاد الإقليمية الجديدة، وعلى الأخص وجود تركيا داخل هذه العلاقة، فالدور السوري اليوم ربما لا يبدو وفق الزخم السابق في علاقاته مع إيران، لكنه على المستوى السياسي لم يتحول بل ربما اتخذت العلاقات أبعادا جديدة مختلفة، فلم يعد تسليط الضوء على مسألة العلاقات الثنائية، بل أيضا لرسم التوازن الإقليمي في ظل الجمود السياسي الحالي.
ما تريده سورية اليوم مرتبط بنوعية العلاقات الإقليمية أكثر من ارتباطه بالحراك الدولي تجاه المنطقة، فالتجربة الإقليمية بعد الحرب الباردة قادة نحو تصور ينزاح خارج "المحاور الدولية" على الأخص مع وجود قوات احتلال في العراق وفلسطين، وفي مرحلة مفتوحة من الحرب على الإرهاب.