سؤال لا ينبغي توجيهه لأحد، لأنه يبدو خارج سياق المنطق الذي تسير عليه الأحداث، فظهور "تسيبي ليفني" في طنجة هو "تاريخ" خاص بدأنا نتعرف عليه مع إيقاع الحروب الخلافية، والقدرة على التحكم بالسياسة وفق نمط "الخوف" مما يحدث لو أننا مارسنا إرادتنا، فـ"ليفني" تتحدث برائحة اللحم المحترق في غزة عن "السلام"، بينما يرى البعض حديثها "نصف الكأس الممتلئ"، دون أن ننسى أن "إسرائيل" ملأت بالفعل فلسطين بالمستوطنات.

والمسألة تبدو وكأنها صورة إعلامية براقة تريد "المعارضة الإسرائيلية" الظهور بها، ولكن من على منبر عربي في زمن يشتد الخلاف فيه حول نوعية "مجرمي الحرب" وقدرتهم على التنقل في العالم، وفي وقت أصبحت فيه صورة غزة نموذجا خاصا، لكن هذا الظهور وإن كان غير رسمي إلا أنه يحمل معه مساحة "السياسة العربية" القادرة على استنفاز الوقت قبل أن تعلن أن هناك خطأ تاريخيا حدث، وأن التحول ممكن باتجاه صياغة المستقبل، فالقضية ليست في ظهور "ليفني" إنما في قدرة السياسة على استيعاب "الجريمة"، وعلى كسر التتفكير الذي رافقنا خلال الحروب ومعايشتنا للجروح التي تركتها الاجتياحات والمجازر في غزة وغيرها.

إنه شكل مشابه لا ستقبال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في جغرفية الجزيرة العربية، وذلك بعد احتلال العراق وحرب لبنان، وبعد تطلعاته الشرق أوسطية التي اعادت رسمنا بطريقة المأساة وتوزيعا "ديمقراطيا" على كل الشعوب، فلا فرق هنا بين التصرفين لأنهما يحملان أمرين:

الأول هو عملية إلغاء للتاريخ القريب، وذلك ضمن مفارقة استثنائية تريد إخبار الجميع ان المسألة هي مجرد "حاجز نفسي" أو "نوايا سياسية" في أحسن الأحوال، وهي ليست جرائم بقدر كونها زمن مضى ويمكن نسيانه.

الثاني اقناع "جماعي" بأن "الإرادة العامة" لا مكان لها طالما أن السياسة تريد تجاوز الجميع، فـ"ليفني" ليست موجودة في جغرافية مبهمة، بل على أرض كان لها موقف مما حدث في غزة ولبنان، وربما يتزامن هذا "الاقناع" مع حدث آخر يجري بين مصر والجزائر، في إشارة إلى أن المغرب العربي ليس معنيا بما يحدث في الشرق الأوسط، أو انه غائب أبدي عن مساحة الصراع، وهذه ليست مغالطة فقط بل رغبة على ما يبدو للتكوين السياسي الرسمي الذي يبدو وقحا في التعبير عن نفسه.

الصورة مربكة لكنها لا تحتمل التأويل، فـ"ليفني" حاضرة على ما يبدو داخل السياسة مثل "الخطيئة الأولى"، يمارسها جهابذة السياسة بينما تشكل للآخرين خطا مختلفا يختزن في داخله "الرؤية" بأن "إسرائيل" لن تحقق له المعجزات، وأن الرضا الأمريكي على عمليات التطبيع لن ينقذ أحدا لأن من يمارسه سيكسب العالم.. ربما... لكنه سيخسر نفسه.