أثارت مشاكل اليمن تساؤلات وربما مواقف من الحكومة المصرية، ورغم أن الهم اليمني جزء من التفكير التاريخي لمصر لكنه اليوم مختلف نوعيا، فليس هناك خوف من إغلاق منافذ البحر الأحمر، وفي نفس الوقت لا يوجد تكوين استراتيجي بالنسبة لمصر يدفعها للتدخل كما حصل في ستينيات القرن الماضي، فالمشكلة اليوم تختلف نوعيا عن السابق، ومن المستبعد أيضا حصول تدخل عسكري مباشر، حتى ولو سجل الرئيس المصري موقفا سياسيا في هذا الموضوع فالهم السياسي بالنسبة للحكومة المصرية منصب على "الوجود الإسرائيلي" الذي على ما يبدو يشكل بالنسبة لها المنفذ الأساسي للدور الإقليمي الذي تحاول التعامل معه وعبر قطاع غزة تحديدا.
ومن الممكن اليوم صياغة "المعادلة المصرية" بعد اتفاقيات السلام من جديد، لأن الدور المصري مر بعد هذه الاتفاقيات بثلاث مراحل:
الأولى هي في اكتساب الموقع الإقليمي عبر عمليات الدعم الاستراتيجي التي قدمتها للولايات المتحدة وعلى الأخص في "أفغانستان"، ومنذ نهاية سبعينيات القرن الماضي لعبت مصر دورا أساسيا بعد زيارة زينبغو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في دعم الحرب ضد السوفييت في أفغانستان.
الثانية استرجاع الموقع الإقليمي بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وفي تلك المرحلة لعبت كل من دمشق والرياض دورا محوريا في "عودة مصر" لرسم التوازن الإقليمي بعد احتلال الكويت، واستطاعت هذه العواصم استيعاب النتائج الناجمة عن حرب عاصفة الصحراء.
الثالثة وهي المرحلة التي نعيشها اليوم حيث بات واضحا أن الأزمة الإقليمية ناجمة عن تشتت الأدوار الإقليمية، وأيضا غياب تحديد العدو حيث تظهر إيران كـ"عدو بديل"، وهو ما يدفع اليوم إلى حالة العداء القوي مع إيران، دون إنكار أن دورها الشرق أوسطي يتضخم نتيجة انحسار "الدور العربي" عموما.
الصورة التي تظهر اليوم بالنسبة للحكومة المصرية مرتبطة أساسا بقدرتها على التعامل مع أوراقها الاستراتيجية، فهي حصرت هذا الأمر منذ احتلال العراق بنوعية الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهو ما أدى أيضا لانهيار الجبهات الأساسية، وللتوجه أساسا نحو حلول تتجه نحو آفاق مختلفة باتجاه تركيا أحيانا أو حتى إيران، وسيبقى "التدخل" الإيراني هاجسا لأنه بالنسبة للحكومة المصرية مرتبط بالسياسة الدولية الحالية، وبمحاولة التعامل مع "دعم لوجستي" جديد ولكن هذه المرة دون وجود "زينبغو بريجنسكي".