الكل يعرف حساسية اللقاءات الكروية بين مصر والجزائر، رغم انها لم تصل إلى ما يحدث اليوم من "اتجاه لفرض مقاطعة"، ولا نعرف ربما يقترح البعض إدراج الجزائر على جدول مكاتب مقاطعة "إسرائيل"، لكن ما يحدث اليوم يخرج عن إطار الرياضة وهو يملك مؤشرات سياسية لعملية "بناء أزمة" تعيد تحريك الدوائر السياسية في البلدين وإن كانت في مصر أوضح.

ومنذ بدأت التغطية الإعلامية ظهر واضحا من المحتوى الذي تم نشره أننا بالفعل أمام حملة، وإن كانت في بعض جوانبها لا تحمل تحريضا، لكن الجميع انغمس في الحملة وتفاوتت المواضيع التحريرية بين عملية "التعبئة" ووصولا إلا التحريض، فالحديث عن أن هناك بعض الوسائل الإعلامية سببت هذا الأمر يتجاوز واقع "الحملة" التي بدت أقوى من أي حملات سابقة، وربما لم يعتد عليها "الجمهور" حتى في ذروة الأزمات التي تمس المواطن المصري أو الجزائري، وفي مسألة كرة القدم فهناك سهولة في التعامل مع هذه الحملات القادرة على ملامسة "دوافع" قوية لدى الناس.

لكن في المقابل كان هناك تجاوب رسمي واضح مع نتائج ما حدث، وجرت اتصالات بين البلدين لا تحدث عادة في مناسبات أخطر أو أقوى، وكانت هناك استجابات من قبل "القيادات" انتهت باستقبال الرئيس المصري لمنتخب بلاده، في وقت ظهرت تصريحات من قبل جمال مبارك حول "الاعتداءات" التي تعرض لها الجمهور المصري في السودان، واكتملت الأزمة داخل الشارع المصري الذي انشغل بتداعياتها على المستوى الداخلي والإقليمي.

التصدي الرسمي لهذه الأزمة هو المهم اليوم، لأنه الهدف النهائي (حتى بالنسبة للجزائر) لأن التعبئة بدأت للمباراة وانتهت للحكومة التي تتعامل بحزم مع هذا الموضوع، ويظهر هذا الموضوع في تصريحات جمال مبارك الأخيرة عندما قال "من اعتقد أن الموضوع سيمر كمباراة كرة قدم ومناوشات عادية تحدث في اي مباراة وتهدأ الأمور كأن شيئا لم يكن، أعتقد أنه ارتكب خطأ كبيرا وعليه أن يتحمل لأنه ارتكب هذا الخطأ مع دولة كبيرة مثل مصر.. حق الشعب المصري لن يذهب سدى"، وتابع "ان تصوري الواضح أن الموضوع لن يقف عند مجرد التعبير عن الغضب، لكن سنجد تحركا وتنسيقا على كافة الأصعدة".

نحن إذا امام جبهة جديدة تعويضية عن الجبهات الخاسرة سواء في مجال الصراع مع "إسرائيل" أو مع "الفقر والتنمية" أو غيرها من المسائل، فهناك اليوم "دولة كبيرة" ستغضب مع احترامنا وتقديرنا ليس فقط لدولة مصر فقط بل أيضا للشعب المصري المتحمس لاسترجاع كبريائه، لكن الأمر وفق التصريحات السابقة هو في النهاية حملة دعائية من ضمن "الأزمة" التي تم بناؤها، ومن خلالها أُعيد تسويق السياسات ورجال السياسة.

بالطبع كان من الممكن أن يظهر ما حدث وفق إطاره المحدد كـ"شغب ملاعب" يتم التعامل معه وفق سياق "FIFA" أو حتى عبر القضاء، وعلينا هنا تذكر مباراة "جوفانتس" مع "ليفربول" التي سقط فيها ضحايا، لكنها لم تدخل في إطار بناء أزمة كما يحدث في كل من مصر والجزائر، ولم يكن الهدف من النتيجة عمليات "تسويق سياسي" مرتبط بالداخل "المصري" أو حتى "الجزائري، وفي النهاية النتيجة هي أهداف للسياسات الحكومية في مرمى المجتمع المتحمس لوطنيته وبلاده ولفريقه الرياضي.