نتنياهو لم يخرج من مأزقه السياسي فليس هناك مأزق أساسا، وتجميد الاستيطان لا يشكل بالنسبة له سوى "إعادة جدولة" لعلاقاته السياسية الداخلية، أما خارجيا فإن النظام الدولي غير مهيأ للضغط عليه أو حتى لإعادة النظر بالموضوع الفلسطيني قبل أن تتضح ملامح الأزمات الأخرى من أفغانستان وباكستان وأخيرا مسألة احتلال العراق، والنظام الدولي أيضا لا يملك أي معطيات تجعله يتجه نحو تبديل "نوعية حركته" على الأقل، بل هناك مبررات لبقائه كما هو لأن كافة الأطراف في الشرق الأوسط تريد "التأجيل" أو حتى الحد من أي تفكير جديد يغير المعادلة في فلسطين أو الشرق الأوسط عموما.
عمليا فإن نتنياهو جدول مسألة الاستيطان في مقابل نشاط آخر تقوم به "المعارضة"، وربما كانت آخرها زيارة "تسيبني ليفني" إلى المغرب، وهو في نفس الوقت يريد استيعاب التناقض الحاصل داخل حكومته، وعلى الأخص أن خياراته، أو ما فرضته المعادلة الانتخابية، وضعت أمامه شخصيات خلافية مثل "أفيدغور ليبرمان" الذي يهوى النجومية على طريقة "التطرف" حيث يذهل الجميع بتصريحاته المناقضة لبعض "التحركات الإسرائيلية".
لكن انعكاس تحرك نتنياهو لن يكون محدودا، فهناك ردود فعل سريعة ظهرت، كما أن مسألة التسوية بكاملها أصبحت تخضع لـ"شرط إسرائيلي" جديد سيعيد رسم "الانقسام الفلسطيني" وحتى العربي، وعندما نتحدث عن "الانقسام" فإننا أيضا نتحدث عن "فجوة" داخل طبيعة العمل السياسي الذي يتشكل وفق رؤية مرتبطة أساسا بالصراع العربي - الإسرائيلي، حيث يمكننا أن نلاحظ:
– لم تكن عملية التسوية بالنسبة لأصحابها مجرد إجراءات لتصفية الصراع، بل تجاوزت حتى تصفية المعارضين للتسوية واتجهت نحو محاسبة التاريخ وإعادة رسم الثقافة، فالتسوية كانت تعني سلاما بدعائم جديدة ينهي التفكير القومي على سبيل المثال، ويحمله أيضا كل النتائج الحالية، ثم يعيد تفسير الصراع بشكل جديد ويرسم معه تصورات للدولة الحديثة نرى نماذج لها في العراق على سبيل المثال.
– ينسحب التعامل السياسي اليوم مع "إسرائيل" على قاعدة "حسن النوايا"، فهي قدمت عرضها وعلينا المبادرة لتسهيل هذا الأمر وإثبات "حسن نوايانا" بدولة "منزوعة السلاح"، وتأسيس موقع سياسي لها خارج القدس، أي خارج "رمزية الصراع" أو حتى نقطة "التعبئة" له.
هدية العيد من نتياهو لكل الفلسطينيين "دولة منزوعة السلاح"، وربما بتعبير أكثر وقاحة جغرافية محايدة ربما يتلخص دورها بخلق "الفجوة" بين "إرادة المجتمع" ورغبة "النظام العربي" على تطويع الشعوب وفق الخارطة الإسرائيلية الجديدة.