تبدأ المسألة بتسجيل الاعتراضات وتستمر عبر البحث عن الصيغ المناسبة، وكلما لاح بالأفق "مسودة" لقانون الأحوال الشخصية فإن الجدل ينطلق معبرا عن "التحفز" الذي يدفع البعض لرؤية المستقبل، فما يسترعي الانتباه ليس الاعتراض على القانون الحالي، بل المناخ الذي يجعل من الأحوال الشخصية "صورة قاتمة"، والانتقال اليوم إلى نبش النصوص القديمة والحديثة هو في النهاية واقع صحي حتى تظهر القوانين وفق المصلحة العامة، وليس المصالح الوهمية أو التاريخية.
ما حدث عبر عام كامل من البحث عن قانون للأحوال الشخصية هو أننا أمام حالة جديدة، ربما لا تتطابق وتاريخ ظهور "التشريعات" في سورية التي كانت في الغالب متفوقة على "الثقافة السائدة"، إلا أننا اليوم نقف على ما يبدو وسط بيئة مختلفة تماما، يظهر فيها الأكاديميون وفق "صورة نمطية" نعرفها جميعا منذ أن أغلق باب الاجتهاد، وأصبحت القاعدة هي "تفصيل" المجتمع على حجم النصوص المتوفرة، وإنكار حركة الحياة التي شكلت التنوع، ودخلت في مراحل الحداثة وظهور الدولة القائمة على المواطنة بدلا من العشيرة أو القبيلة أو الملة أو غيرها.....
عمليا فإن المناخ الذي يتيح لهذه الصورة النمطية أن تنتعش هو ما يجب أن يقلقنا، لأن المفترض بالمشرعين أن يطمحوا للابداع والابتكار وربما فرض قيم جديدة تتلائم مع شكل الحياة المعاصرة، إلا أن ما يحدث ربما يعكس حالة متناقضة لا نريد ردها إلى "واقع السياسة الإقليمية"، بل أيضا إلى فشل الحركات الثقافية أيضا عن إيجاد "بيئة جديدة"، وربما إلى العودة لسلم القيم القديمة حيث يختلط التشريع بالفقه وبالسياسة وحتى بالهوية.
التعامل مع مسودة أي قانون للأحوال الشخصية ربما لن تنجح إلا مع إيجاد تفكير جديد قادر على التعامل بشكل دائم مع المستقبل، وهي مهمة ليست سهلة، وتحتاج إلى تحويل خطابنا الثقافي والإعلامي نحو اتجاه مختلف، وربما إلى التعامل حتى مع العملية التربوية بشكل جديد، لأن "عشق التاريخ" أو "محبة الوطن" أو حتى "عشق المستقبل"، لا يمكنه أن يكون عبر النصوص الجامدة بل عبر ترك الخيال كي يرسم ثقافة تعبر عن هذا الإيمان الذي تحاول المناهج المدرسية زرعه فينا أحيانا، بينما تلعب الفضائيات في بعثرته من خلال "الموضوعية" و "الرأي الآخر" ووفق آلية هي في النهاية تكرس واقعا تراثيا وليس حداثيا أو معاصرا.
نحن موجودون في بيئة إقليمية محرومة من الحلم، ولا تريد أيضا أن تدفع ثمن هذا الحلم، لذلك فلنتوقع دائما انتعاشا لـ"الوسطية" على طريقة أن ما هو موجود أفضل من إيجاد جديد علينا اختباره، وأن قناعات الناس "ثابتة وراسخة" رغم حركة الحياة والمصالح، وأن اجتهادات الفقهاء هي النهاية، وليس غريبا اليوم أن نعيد إحياء العصور الوسطى على طريقة جديدة في "الأحوال الشخصية" وربما بأمور أخرى.....