إنه نوع من اللعب بالنار عندما نسترجع نفس المصطلحات لمرحلة ما قبل الدولة، وما قبل المواطنة، ونجبر كل الشرائح الاجتماعية على الدخول في "حلبة صراع" على الكلمات والاجتهادات التي حشرت في "مسودة" لقانون الأحوال الشخصية، فنحن لا نخرق "الصورة الاجتماعية"، بل أيضا نعيد تصنيف الناس من جديد خارج مفهوم المواطنة، حتى ولو كانت تلك التصنيفات محصورة بين الذكر الأنثى.
في القوانين لمرحلة "الدولة" كما نعرفها بالشكل القائم والحديث لا تتدخل في جنس البشر، فهذا أمر بيولوجي، ولا حتى في معتقداتهم، فالقوانين تقف عند حدود "الهوية" التي تمنح من يحملها نفس الحقوق، وعلينا أن نسأل من جديد هل بالفعل انتهى الزمن الخاص بنا في "مجال" القرون الوسطى؟ أم هل معتقداتنا وإيماننا غير قادر على الخروج بتشريع قادر على مواكبة مصالحنا دون ان يلغي هويتنا؟!
مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية يضعنا امام حقيقتنا، وفي مواجهة ثقافتنا الحالية القادرة على إنتاج نفسها من جديد دون أي نوع من التفكير بأن الحياة تمضي بنا، وأن الحوارات التي تدور اليوم هي في النهاية طاقة يمكن وضعها في مكان آخر لو فكر البعض إعفائنا من الدخول في متاهات الماضي....
ربما للتذكير فقط فإن أي قانون للأحوال الشخصية مهما كان معاصرا لن يشكل خطرا علينا من "التغريب"، أو تشتيتا لمعتقداتنا، فبعد نصف قرن يمكننا التأكيد بأن هذه المسألة خارج إطار الاحتمالات، والخطر الحقيقي هو في استرجاع الماضي فقط وفقدان مصالحنا المعاصرة، فالقانون بذاته يمكن أن يعبر عن "ثقافة" قادرة على الانتشار دون تشتيت الذات أكثر من "الحفاظ على الهوية" أو "الأصالة" أو "الجذر التاريخي".
لا حاجة لتثبيت موقف... لأن المسألة تنطلق في هذه اللحظة من رؤيتنا للمستقبل، ومن الرغبة أيضا في "قانون مدني" يضع الجميع على مسافة واحدة، لأن الأحوال الشخصية ليست مجرد بنود يمكن سردها واعتمادها في المحاكم، بل أيضا حركة حياة ومستقبل مجتمع وعلاقات داخله قادرة على الارتقاء إلى مستوى هويتنا الحضارية، بينما ستبقى في مساحة العماء طالما ان الماضي يظللنا.
ليس قانونا فقط بل أيضا طريقة تفكير علينا قراءتها بحذر، والتعامل معها بشكل يعبر عن الأمل الذي نريده للأجيال القادمة.... أمل يكتبنا كل يوم في مساحة المستقبل، لأن "وحدة المجتمع" هي غايتنا، ولأننا ننظر في النهاية للغد وليس بكل احتمالاته وليس للماضي مع احترامنا العميق له.