كان المفترض أن يبقى موضوع الأحوال الشخصية عنوانا مستمرا، لكن الحدث يسرقنا دائما دون ان ندرك الرابط العميق بين ما نعنيه والشكل الذي نرسمه لأنفسنا عبر القوانين، أو من خلال إغلاق صورتنا وفق تكوين ماضاوي، فنحن ننتقل بسرعة ما بين النتائج التي نراها أمام أعيننا، وربما دون وعي حقيقي بأن "التطرف" الذي يحاصرنا لا يمكن أن تبدأ نتائجه إلا بالنظر نحو المستقبل.

المسألة ليست "خواطر".. لأن بقاءنا كان مرهونا بقدرتنا على الانفتاح، وعلى تفهم أن الحياة ستستمر حتى ولو كنا نمتلك تراثا ضخما، وبهذه القناعة كنا قادرين على مواجهة كل الثقافات التي عبرت جغرافيتنا فأكسبناها أو اكتسبنا منها، ولكن الأمر يبدو اليوم مختلفا، فنحن نقف عند حدود "المناخ" الخاص... البيئة التي تريد إغراقنا بتفاصيل اجتهادية عفى عنها الزمن، وفي الجهة المقابلة فنحن نتعرض لـ"كسر الهوية" وتحطيم الرموز ولاستباحة كل المساحات التي كنا نعتقد أنها ستحضننا أو تجمعنا، ولكن حقوقنا مستباحة من الماضي من جهة، ومن زحف "المستوطنين" الذين لا يجتاحون القدس فقط بل يغرقونا بالمرويات القديمة وبمحاولات إيحائها.

لا فرق بين ما يحدث في القدس أو في أي عقل يحاول أن يجد نفسه في الماضي، دون محاولة لقراءة نفسه أو لرؤية الحياة كحالة استثنائية وفي زمن استثنائي من عمر الكون أو الأرض، فنحن امام صورة واحدة يسعى البعض لحشرنا بها، وربما ينزع "سلاحنا الوحيد لمواجهة التطرف الذي يجتاح القدس والخليل ورام الله، ويقلب العراق إلى مذاهب وعشائر وطوائف، ويجعل الأحزاب السياسية صورة عن القتال ضد الزنادقة في العصر العباسي الثاني....

لا أستطيع أن أفصل بين الكلمات الواردة من التاريخ في القوانين التي يحاول البعض وضعها اليوم، وبين التكسير الذي تتعرض له هويتنا وثقافتنا... ففي الحالتين هناك لجم للتفكير... وتشكيل نمطي يدفع للاشمئزاز... وهناك مجابهة قطباها يحاولان امتلاك الأدوات نفسها، بينما تسير الحياة مهما ازداد التطرف أو عادت مصطلحات القرون الوسطى، فنحن في مواجهة حضارية لا تحتمل استخدام الماضي، ونحن نحتاج لإبداع كي نستطيع ان نبقى ونستمر....

في قانون الأحوال الشخصية صورة الجميع ورهان أمام المجتمع كي يستمر أو يتقدم أو يستطيع استيعاب هذا العنف القادم عليه من الجهات الأربع... وفيه أيضا الحيوية التي يجب ان نبذلها كي نكون جديرين بالمستقبل.... فنحن في النهاية أبناء القادم ولسنا ورثة التراث فقط...