رغم أن مصطلح "الصحوة الإسلامية" غاب عن مساحة الخطاب الثقافية بعد أن انتشر بشكل واضح في النصف الثاني من القرن الماضي، لكننا نقف اليوم أمام "صحوة" لكنها ليست بالضرورة "إسلامية"، فهي تلتمس الطريق لإيجاد "سند شرعي" من الدين كي تبرر وجودها، في وقت تعتمد على بقائها من "جملة التراث" واقتباسه ووضعه في إطار قوانين وتشريعات مقترحة.

والفارق الأساسي بين هذه "الصحوة" إن صحت التسمية، وما حدث في القرن الماضي، أنها تقوم على عملية "النكوص" التاريخي والعودة إلى المرحلة السابقة للاحتكاك العربي بالحضارة الغربية، أي أنها تسلك طريق "العزلة" عن الحدث والزمان، وتقدم لنا "القوانين" الجاهزة وكأننا نقف عند نقطة واحدة وفي جغرافية ثابتة وظرف "لا يتحول".

هذه الشكل الجديد تقدمه لنا "مسودة" القانون الخاص بالأحوال الشخصية، وربما دونما عناء، أو حتى فتح مجال واسع للحوار حتى مع "التراثيين" أنفسهم، علما أنهم عزلوا أنفسهم خلال الجدل في المسودة الأولى، فالمسألة ليست "قانونا" بل أيضا محاولة لاختصار الحياة الثقافية، أو لوضع حدود واضحة للحركة الاجتماعية وتطوراتها، حيث يقدم هذا القانون "مؤشرات" أساسية بشأن تطورات الحالة الحقوقية في سورية منذ الاستقلال.

عمليا كان من المتوقع أن ينطلق القانون بعيدا عن كل الحدود المعروفة اليوم، وذلك على اعتبار أن مفهوم "الأسرة" وعناصرها تطور ضمن الحياة المدنية، وحتى داخل التكوين السياسي في سورية، كما أن التجارب التي خاضها المجتمع في مجال تعليم المرأة ومحاولات تحررها أعطت نتائج كثيرة، يضاف إلى هذا الأمر تطور الحالة السكانية، ومن المفترض وفق التقارير التنموية تطور "الحالة الحضرية"، وهو أمر أيضا له موقعه في أي تعامل مع مسألة الأحول الشخصية.

لكن القضية على ما يبدو لا تخضع للتجارب التاريخية، بل لافتراض صلاحية بعض الاجتهادات "لكل زمان ومكان"، ولذكاء المجتمعات في الالتفاف على القوانين التي تحد من حرية علاقاتهم الاجتماعية.

المخجل أننا نتعرض بشكل فعلي لاستلاب الهوية ولعمليات تشتيت اجتماعي، ولتفتيت الجغرافية وتحويل لهوية مدننا ابتداء من القدس، وفي النهاية فإننا نبحث عن تثبيت ثقافتنا من خلال "صور الماضي"، وعبر التفكير بتنميط العلاقات الاجتماعية وفق قوانين تعود بنا إلى زمن "الحارات المغلقة"، بينما يتطلب صراعنا الحضاري عملية انفتاح حقيقي نعبر فيهاعن التنوع الذي نملكه، وعن سلوك يعي أننا كنا قادرين على "تفهم" كل أشكال الثقافة التي عبرت منطقتنا أو عاشت فيها، وربما علينا اليوم خلق الوعي بأننا لن نستطيع بناء هويتنا إلا بحداثة حقيقية وبقوانين أحوال شخصي مدني ينقل تفاعلنا الداخلي لمساحة بناءة.