لننطلق بعيدا في أزمتنا العامة من البعد الإنساني، أو من الإحساس بأن من نتحدث معهم هم بشر مثلنا وقادرين على التعامل مثلنا ويملكون مشاعر و يتأثرون مثلنا بالكلام الذي نحسب أنه سيجعلنا أكبر وهو بالحقيقة يصغر الآخرين...

المسألة أننا نبني مؤسساتنا على مساحة "المجتمع الأبوي" ونبني صياغة الحداثة من خلال اقتناص جغرافية الآخرين، وربما نبني أنفسنا على أحلام الآخرين، وننتهي في حدود "نزاعاتنا الفردية" أو حتى انغماسنا بالعصبيات التي تؤمن لنا "فراشا دافئا" وغزلا لا معنى له يلامس أقدام النساء فقط، أو يجذب نظرات عابرة من ذكور عصبيين.

ربما أفهم المسائل العامة بتفاصيلها أو بتكوين المؤسسات التي تحسب أنها تسير في عملية "البناء" ولكن على شاكلة "الوصاية" حتى على كرامة الناس، فتحاول أن تكيفها وفق أشكال "التبعية" الممزوجة بثقافة الصحراء والقبيلة والأفخاذ والبطون، وتتكامل في النهاية مع تكوين مؤسسات متشابكة مع ظلال الحداثة ولكنها تدهس الأحلام والإبداع.

كرامتنا هي من الحداثة.... وإحساسنا بذاتنا هو من صلب أي نهوض يريده حزب أو مؤسسة أو دولة، ولا فرق بين زعيم قبيلة يقرر عنا ما يشاء ويكتب كرامتنا بطريقته، وبين رجل يستخدم كل تقنيات العصر ويقرر أن يتعامل معنا كرقم داخل تفكيره المغطى برمل الصحراء، فالنساء أكثر حساسية لهذه الصورة رغم أن الذكور هم من يعانون من عمليات "طي" الأحلام" أو تغميسها بالقدرة على استحضار صورة تيمورلنك وهو يستمتع "بهتك" أعراض وكرامة البشر على طول آسيا.

وفي التفاصيل أيضا نحلم بـ"النهضة" ولكننا نرسمها خارج الناس... ندرسها أو نلقنها للأجيال مثل الكتاتيب التي انتهت من حياتنا لكنها تملك إرثا في عدد من الأشخاص الذين لا يعرفون أن الوصاية الفكرية والأخلاقية لم تعد ممكنة، وأن البقاء على الحدود ما بين الحداثة والماضي سيجعلهم قميئين ومنبوذين، وسينهي من حاضرنا "بناة العوالم" ليضع مكانها جدارا من الرماد المتناثر نتيجة حروب قبلية مستمرة....

كرامتنا لا يمكن إشعالها وإطفاؤها مثل شبكة "الإنترنيت"... لأنها مزيج بشري مستمر ويحلم بأن يبقى على مساحة الفعل والإبداع والشعر... وعلى كتابة الحياة بألوان مختلفة تبهر الأبصار حتى ولو سعى من يدعون أو يمثلون "النهضة" و "الحداثة" و "البناء" و "الخصب" إلى جعلنا أدوات في صراعاتهم ونزواتهم ورغباتهم الشخصية، فكرامتنا هي صلب الحياة وهي الشاهد الباقي بأننا مستمرون رغم كل شيء.