الواضح أن فخر تسيبي ليفني بمجازر غزة، وحتى بمجازر لبنان 2006 ليس ردة فعل أو موقف بعد الأمر القضائي بتوقيفها من قبل القضاء البريطاني، فهذا الفخر هو منهج سياسي تعلمه "الإسرائيليون" بشكل سريع بفعل "الحصانة" الموجودة التي أصبحت أشبه بـ"جدارهم العازل"، فهم في النهاية رغم انخراطهم بالسياسية الدولية يملكون عالمهم الذي يتضح سريعا كلما ابتعدنا عن التاريخ الأول لاحتلال فلسطين أو ما يسمونه بـ"تأسيس إسرائيل".
بالطبع يحق للبعض اعتبار مذكرة التوقيف نقطة تحول في المساحة السياسية الخاصة بالصراع مع "الدول العبرية"، رغم أنه من المستبعد أن تؤثر هذه المذكرة على "السلوك الإسرائيلي"، أو حتى على طبيعة النظام العربي الذي يقيس عدد كبير من أطرافه إستراتيجيته بعامل "الأمن" الخاص بالاحتلال أو بضمان عدم التصادم معه، أو حتى في اعتباره واقعا نهائيا وليس طارئا. ويمكن في المقابل مقاربة ما يحدث وفق خطين:
الأول متعلق بنوعية السياسة العربية تجاه "إسرائيل" التي مازالت تقف عند حدود بداية الثمانينات، عندما استطاع الاحتلال فرض واقع استراتيجي بعد حصار بيروت، رغم أن هذا الأمر تبدل وفق تطورات متسارعة بدأت مع الانتفاضة الأولى، وربما أثرت عميقا داخل السياسة الدولية في رؤيتها لـ"إسرائيل"، فالجانب المتعلق بأمنها أصبح على المحك، ليس من جانب التزام الولايات المتحدة وربما معظم الدول الكبرى بهذا الأمن، بل في تحديد نوعيته وحدوده ومتى يمكن أن يصبح تجاوزا خطرا يمكن أن يؤثر على التوازن الإقليمي، ورغم أننا حتى الآن لم نشاهد تحركا دوليا بهذا الاتجاه إلا أنه يبرز دائما في لحظات التوتر القصوى، وربما يمثل خروج تركية من معادلة الحياد تجاه مسألة "الأمن الإسرائيلي" صورة واضحة لطبيعة التحول داخل الشرق الأوسط الذي يراقبه العالم بعد كل اعتداء تخوضه اسرائيل ضد دول المنطقة.
الثاني مرتبط بنوعية التحرك المدني وهو ليس منفصلا عن السياسة مهما حاولنا وصف المنظمات العاملة به بأنها غير حكومية، فالنتائج التي يصل إليها هذا العمل لا بد من أن تنعكس على السياسة بشكل أو بآخر، واليوم هناك معركة داخل بريطانيا ستجعل الحكومة في مواجهة هذه المنظمات فيما لو قامت بتعديل نظامها القضائي، أو بالخروج عن اتفاقيات جنيف الخاصة بهذا النوع من المحاكمات. وهذه المعركة ليست سهلة لأنها ستضع "الالتزام بالأمن الإسرائيلي" في صلب المعادلة الداخلية.
عمليا فإن "الجدار الواقي" بالنسبة لمجرمي الحرب في "إسرائيل" لم يتصدع لكنه أصبح موضع تساؤل، بينما ستبقى السياسة العربية حائرة بين المقاومة والتسوية وبين حل الدولتين أو الوقوف عند حدود الصمت وربما استقبال ليفني في المغرب وسط صخب وهرج إعلاميين.