الاستعراض ليس ناجحا والتقارير ستقف عند حدود بقايا الخوف الذي تملكنا مرة، فتسيبي ليفني وقضيتها ليستا مسألتين سياسيتين إنما نوع من إعادة رسم شخصياتنا بفعل الموت الذي زرعته على امتداد غزة ولبنان، وهي أيضا مسحت الخوف الذي كان يرتسم على ملامحنا في كل لحظة نشعر بأن الحرب قادمة، أو أننا أمام استحقاق الحرية من جديد، فصورتها تشكل التحدي الذي لامسناه منذ أن قرر أرئيل شارون كشف المستور العربي، فاقتحم جنين على إيقاع التوافق العربي لإصدار المبادرة الشهيرة... وستبقى شهيرة لأنها أنهت زمن "الوجل" ووضعتنا أمام كلية الحياة...

ليفني فخورة بما قامت به ربما لأنه لا يختلف عن صورتها وعن قدرتنا على رسمها في ذاكرتنا، والفارق الوحيد أن حربي لبنان وغزة لم تكن "روايات" لناجين أو هاربين من الصراع، ولم تصبح مجرد أدبيات شعر أو صفحة من التاريخ، فهي كانت لحظة بلحظة "تخدش حياءنا" المغرم بالماضي، وبصور الفخر وديوان الحماس، وتقطع "الشرف القديم" الذي كان مرسوما على خاصرتنا ليحد الرؤية باتجاه مصدر واحد، لنكتشف أننا لم نعد نملك سوى أسواق تباع في الكلمات والتصريحات و "إعلان الحرب" أو حتى قرارات الأمم المتحدة.

اكتشفنا أيضا أن الألم يتصاعد حتى يصبح نوعا من الإدمان، والعنجهية أيضا تصبح نوعا من العماء يقود ليفني للمفاخرة بنفس الطريقة التي يتباهى بها من يقتل لـ"غسل العار"، إنها بالفعل ساعة اختلاط حقيقية تمسح الزيف الذي أغرقونا به عن "التكوين العصري"، ليظهر ساسة من النساء كانت إحداهن في بيروت تبشرنا بالولادة في نفس اللحظة التي كان البعض يدفن فيها أطفاله، أما الثانية فتظهر في المغرب وتتم ملاحقتها في لندن وتتفاخر من الأراضي المحتلة، ولكننا نُدان بالتطرف والبعض منا يستجدي حسن السلوك، أما الآخرون فتحولوا مع الزمن لظلال تظهر خلف الضجيج الإعلامي وكأنهم صور مكررة أو "ثوابت" لا بد منها كي يكتمل النقل المباشر لمهرجانات السياسة والمؤتمرات.

محاسبة ليفني شأن اجتماعي وليس سياسي، فهو عودة للتميز أو المعرفة، ومغامرة طويلة وربما عسيرة علينا نحن أن نسير بها وليس القضاء البريطاني، وعلينا التحرر من "الشبكة السياسية" التي تحيط بعقولنا لندرك أننا في النهاية موجودن في غزة والضفة وعلى سواحل فلسطين رغم أنف مقولات "الدولة اليهودية" ورغم "مفاخرة ليفني" بمذابحها الجماعية... وشكرا لغزة...