لا نستطيع الاقتناع بأن أجهزة السلطة الفلسطينية تحتاج إلى خبراء في "التعذيب" من CIA من أجل التحقيق مع المعتقلين، لكن الخبر الذي تم تناقله وكشفه الإعلام البريطاني يحمل أكثر من مسألة انتهاك لحقوق الإنسان، ففي "أراضي السلطة" من العبث الحديث عن "الحقوق وسط الاحتلال، أو خلق تمييز بين مسائل التعذيب و "هدم المنازل" وإفراغ القدس بشكل ممنهج، فما يمكن قراءته في عمليات التعذيب هو في النهاية مرتبط بالدور الوظيفي لجهاز السلطة في مرحلة ما بعد الانتقاضة الثانية.

والواقع ان وجود عناصر امنية "غربية" يتطابق ما كان يطالب به الصحفي والباحث الأمريكي روبرت كابلان منذ عدة سنوات، معتبرا أن "دعم" الديمقراطيات سيؤدي لإبعاد الولايات المتحدة مثلما حصل في تركيا، وفي المقابل اعتبر ان اختراق "الأجهزة الأمنية" شأن أساسي للمصلحة الأمريكية، وربما هذا ما حدث ليس على صعيد "السلطة الفلسطينية" بل في العديد من الدول الشرق أوسطية، وفي هذا الإطار يمكننا استرجاع الاجتماع الذي قامت به وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس مع "رؤوساء" الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة، وهو يقدم مؤشرات أساسية على الأخص في ظل الحديث الجاري اليوم بشأن مشاركة عناصر بريطانيا وأمريكية في عمليات التعذيب، ويمكن هنا ملاحظة:

أن مسألة حقوق الإنسان على أهميتها يجب أن تترافق مع النظر إلى تكوين السلطة في مرحلة ما بعد احتلال العراق، والأمر لا يقتصر فقط على ""السلطة الوطنية الفلسطينية"، فمثل هذا التغيير حدث على مستوى تبديل تكوين الأجهزة الأمنية في لبنان، وربما طال هذا الأمر دولا أخرى، وهو على ما يبدو مستمر رغم تبدل الإدارة الأمريكية، فعلى "ذمة" موقع دبيكا فإن اجتماعا مشابها لما قامت به رايس حدث الشهر الماضي في عمان.

الرهان على التحولات الجديدة في الشرق الأوسط ربما لا يخضع لقواعد اللقاءات والتحقيقات السرية، لكن الصراع الداخلي على ما يبدو يستند أساسا إلى "قواعد"جديدة يدخل في عمقها الارتباط العضوي مع "الصراع الأمني" الذي تخوضه الولايات المتحدة رغم أن مثل هذا التدخل ربما لا يرتبط مباشرة بمناطق الاحتكاك المباشر، لكنه يعبر عن "التحكم" بهذا الصراع ولو على حساب سيادة الدول.

الواضح أن كل ما تقدمه السلطة الفلسطينية لم يقنع الولايات المتحدة بقدرتها على ضبط "حركة المقاومة"، وهي في نفس الوقت لا تريد تكرار التجربة التي حدثت في الانتفاضة الأولى، كما ان كل ما قدمه دايتون لتأهيل أجهزة السلطة لم يكن كافيا، ولا بد من أن التعامل مع التفاصيل الكاملة لشؤون السلطة وعلى الأخص معركتها مع حماس.. هذه هي الصورة التي يمكن أن نتخيلها لسلطة تطالب بحل "الدولتين"... وعلينا أن نسأل من جديد عن ماهية الدولة التي ستظهر بعد كل هذه التجارب.