الأسئلة التي طرحتها زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى دمشق تجاوزت ملفات البلدين، فالزيارة بذاتها تحمل مؤشرات إقليمية وربما تنقل ملامح المعادلات التي يمكن ان تنشأ خلال العام القادم، ورغم أن بعض التقارير بدأت تتحدث عن "محاور" جديدة لكن الملفات لا تزال مختلطة، ومن الصعب اعتماد حالة التوافق اللبناني فقط كمؤشر عن تبدلات عميقة يمكن أن تحدث أو حتى تنهي بعضا من الملفات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق.
عمليا هناك نقطتي ارتكاز أساسيتين لا يبدو أنهما حسمتا على مستوى العلاقات الإقليمية، الأولى متعلقة بعملية التسوية التي تتباين الاستراتيجيات العربية بشأنها، وهي أيضا شقت الصف اللبناني فيما اعتبر أنه تجل للانشقاق عربي واضح بشأن "المقاومة"، والثانية هي الموضوع الإيراني الذي لا ينفصل سياسيا عن موضوع التسوية، فالعلاقة السورية مع إيران ارتبطت بعملية الصراع مع "إسرائيل" وما يتبعها من تحالفات دولية.
وإذا كان في زيارة الحريري إلى دمشق عنوانا عريضا حول توافق سوري - سعودي، إلا أنه يأتي أيضا دون ظهور ترتيبات إقليمية واضحة، فعوامل التأثير بقيت مفتوحة، وعندما تتحدث بعض التقارير عن "محور" سعودي - سوري - مصري - لبناني ربما تلحق به مصر، فإن مثل هذه الاستنتاجات تقفز مباشرة نحو مواجهة ضد إيران في محاولة لـ"عزلها عربيا"، أو حتى وضعها خارج معادلة الصراع، في وقت تبدو الكثير من التحالفات القائمة معها اليوم هي على أساس مواقفها من "إسرائيل".
في المقابل فإن أي محور مُفترض سيكون هدفه النهائي العراق، والتأثير على معادلته السياسية الداخلية بشكل يسهل الانسحاب الأمريكي المقرر، لكن هذا التأثير لم يصل إلى الحد الذي يضمن "وحدة" أراضي العراق، فالحديث اليوم هو عن نوعية "سد الفراغ" بعد الانسحاب أكثر من كونه عودة العراق إلى المعادلة الإقليمية.
وبالطبع فإن زيارة الحريري إلى دمشق ومباحثاته المطولة مع الرئيس بشار الأسد ستحمل تأثيرات مباشرة على العلاقة بين البلدين، وستسهل أيضا من الحوار الإقليمي، لكن من المبكر وضعها كبوابة لحل المسائل الإقليمية التي على ما يبدو تحتاج لتحريك نقطتي الارتكاز الأساسيتين في فلسطين والعراق، وهو أمر يبدو معلقا أو مجمدا حتى اللحظة، في وقت لا تظهر فيه إرادة واضحة باتجاه إعادة بناء الإستراتيجية العربية تجاه هذين المفصلين.
في لبنان هناك تفاؤل مما حدث وهو أمر له أسبابه الموضوعية، لكن التوازن الإقليمي "القلق" مازال قائما رغم كل التحركات التي تقوم بها دول المنطقة لاحتواء التوتر الذي يحدث، فعمليات الاحتواء إقليميا ليست "إستراتيجية" بحد ذاتها، وهي لم تستطع على الأقل كبح جماح "إسرائيل" عن مواصلة الاحتلال، أو حتى إيقاف الحصار القائم على غزة.